الآن، في مثل هذه الساعة من المساء، والليل يلفني بعتمة هدوئه. يستيقظ شوقي إليكِ مثل جنون يصهل في أوردتي. في مثل هذا التوحد الذي يعصف بأيامي. في مثل هذا الحنين، أشتاق الحديث معك يا بنتي. ربما نجلس صامتتين. أو نثرثر مثل عصافير المساء على سدرة مكتظة بالثمر في شتاء حميمي. أو مثل جدولين منسيين في نهر يتدفق إلى جهة لا نعرفها. أو مثل نجمتين تنفلتان من مجرتهما، أود أن أهمس لك وأتحدث إليك، وأدفق عليك عميق الحنان وحضن الود. في هذا الليل اليتيم مثلي، يتناثر عطر الياسمين والفل أمام غرفتي. وقد كنا أنا وأنت مسحورتين بهذا البياض الباذخ. هذا الذي يقول ما لا أملك قوله على الورق. أذكر أنك حين كنت تقتربين لتقطفي زهرات الفل والياسمين، يردك خوف خفي، من روعة بياضهما وسحر عطرهما الباهر. ربما لو أننا على رقعة واحدة، أتيت إليك في مثل هذا الوقت الذي هو جلوة روحي، وهياج شوقي إلى لقياك دون تردد واحتسابات. فللأسفار قوالبها وإطاراتها واحتمالاتها. لكن لي هذا الشوق المطلق الذي لا تحدّه الرغبات الآنية. ما الذي يجعل هذه الساعات والمسافات والجوازات والأختام والمطارات والاستحالات والحدود، لحظة ممكنة.؟! مرة قلت أكتب إليكِ رسالة صغيرة، أو بطاقة معايدة، أو بطاقة شوق وعتب، لكنك انتصبت بملامحك التي تبدو مبتسمة دائماً، وسخرت من الاعتيادي والمألوف والبطاقات. وانسحبت من هذه التقاليد التي اعتدنا أن نؤكد بها ذكرياتنا في المناسبات.الآن ينتشر في وجداني شوق مثل عطر زهرة الفل. ماذا أفعل بها وهي ساحرة وشاهقة؟ وماذا أفعل بك، وأنت أبعد من عطرها الذي يملأ غرفتي، ولا أملك القبض عليه. أكنتِ تستطيعين القبض على موجة تتكسر تحت قدميك في هدوء إلهي؟لا أنا ولا أنت نستطيع أن نلغي حدود الليل والنهار ونزاوجهما في لحظة من الشوق والتواصل والعناق!
الوقت الآن الواحدة بعد منتصف الليل. وبعد ليلة وأخرى، سيهل السبت كأول البدايات. وكأنما الزمن يبدأ للمرة الأولى. البيت صحراء من دون وقع خطاك على ترابه. وليس من يسكنه غير غريب اسمه الضجر. الشهر تاريخ مجهول يجلجل بأحلامنا ووعوده الخفية. السنة جديدة، ولا ندري ماذا ستأتي به إلينا. فقط سأحتفي بها لأنك وعدتني باللقاء بعد شهرين. لماذا لا نملك حين نكون شعلة من الشوق، أجنحة تحملنا إلى حيث تستكين الروح وتهدأ في رحاب المحبة.؟ الكتابة إليك ِلا تشفيني من حرائق الاشتياق. الشهر الماضي كان بهجة حضورك، لكن العناق لحظة لا تسكن الأبدية. روحي معذبة بسياجها وقيودها. تطرق جدران البلاد وجدران الكون بلا صدى!