أحيانا تدهشك الفكرة، مثلما يدهشك الحلم الجميل، فما أروع ما تنسجه الأيام، حين تعيد للمكان ثوبه المخملي، وتنسج روحه ورونقه برداء ناعم، إنه اعتياد يلامس الذاكرة، ويهمس في صوت الزمن بمنتهى السحر بالموروث، وكأن رائحة المكان العطرة لازالت عالقة على جدران رسمت منذ قديم الأيام، فبعد ما عرجت وجال القلم في ذاكرة مدينة العين، ونشرت روايتي الأخيرة «عين الحسناء»، لابد أني عرجت على بدايات المدينة، وأمطت اللثام عنها حارة حارة، ولم يكن لي أن أتجاوز المكان الذي يطل منه مستشفى كند، هذا المكان الجميل الذي أعاد له القرار السامي بريق اسمه القديم، وكأن المدينة تبتسم من جديد، لأنها تعلم ما كان من أمراض، ووباء ينتشر في المواليد الصغار، وتعلم ما حدث من انبهار عظيم بعد حضور الدكتور كندي وعائلته، لينسج الاطمئنان في قلوب الناس، ولتمر من خلاله مواليد المدينة، عائلة طبية بسيطة نسجت الخيال، والصورة الأروع، حتى سميت ممرضات المستشفى بأسماء عربية، حتى تسهل المعاملة الطبية، وكان المواليد آنذاك يعرفون بأسماء الطبيبات والممرضات، ولا أنسى حين التقيت الممرضة لطيفة، وقد عادت قبل أعوام زائرة بعد أن رحلت إلى أميركا وكندا لسنوات، وحين التقيتها في تلك الزيارة، كانت تحمل معها مفكرة صغيرة، وكتبت أسماء بعض من مواليد العين وأسماء أمهاتهم بالسبعينيات، قالت إنها أشرفت على ولادتهم، حين كانت تعمل ممرضة بمستشفى كند، كبرت الممرضة لطيفة، لكنها كانت تحمل الفكرة معها، أينما تذهب، تغذيها من روحها وتجذبها إلى وطن جميل، ومدينة جميلة، تعيش بداخلها، وكأنها وفدت من جديد قبيل الوداع الأخير، وفدت لتودع أجمل سنوات العمر، عادت من أجل أن تترك أثراً مهماً قد سجله تاريخ المدينة.
عاد مستشفى كند ليحمل اسم الزوجين بات وماريانا كيني دي، تقديراً وعرفاناً من بلد يهب الحب والسلام والتسامح لكل من يمد يد العون للبشرية السمحة، وطن يجسد رسالة إنسانية للعالم، وطن سعى مع المؤسسات العالمية الرائدة في القضاء على الكثير من الأمراض المعدية في بلدان العالم، وها هي البشرية تشهد على هذا الحراك المتناغم مع الحياة، والمتسم مع الحضارة، وما يفرح بأن زمن الفطرة التي تعيشه المدينة، حول هذه الرحلة إلى معالم من السبعينيات، وفي أحد أركان المستشفى يتعرف الزائر على ما التقطته عدسات كاميراتهم، وما كتبته كتبهم عن مدينة العين الساحرة، وكيف تحولت رحلتهم الطبية إلى إسهامات ثقافية، هنا تكمن الصورة النقية والبهية للحياة.