إذا كان الشك عصاباً، فإن اليقين كائن أعمى. الشك يقودك إلى الصحراء، ويجعلك تبحث عن ظل فلا تجده. اليقين يجعلك لا ترى غير ما تحت قدميك.
الشك يحيق بك شراً وضرراً وتضوراً وتهوراً، ولا تستطيع أن تقف على رقعة من الأرض حتى يأخذك إلى أخرى، وأنت في الشك مثل قشة على ظهر موجة، أنت في الشك مستلب، إلى درجة أنك لا ترى في العالم غير عاصفة تحطم أوراق الشجرة التي تبني بين أغصانها عش السكينة والطمأنينة.
في الشك هناك ناب ومخلب، وهناك مشجب تعلق عليه كل ملابسك الرثة. في الشك لا طعم للماء على لسانك، ولا ذائقة تجعلك تستلذ بسكر الحياة.
في الشك تكون أنت مثل الذي يقف على حافة صدر قارب، تأخذه الموجة يميناً، وشمالاً ولا قرار، لديك، ولا استقرار. في الشك تهدم بيوت، وتدمر علاقات إنسانية، وتتحول الإنسانية إلى طرائق قدد، وتتحول النظرة إلى الأشياء، كمن ينظر إلى النجمة، من خلال غيمة معتمة.
في الشك هناك جمرة في موقد القلب، حطبها هي هذه الأفكار المتقلبة، وهذه المشاعر المتصلبة، وهي هذه الابتسامة الجامدة، وهي هذه العيون الراصدة، وهي هذه الارتكافة التي تهز اليدين، مثل ما تفعل الريح بالأغصان الضعيفة.
في اليقين تبدو أنت كمن يذهب إلى البحر، مغمض العينين، لديك صورة سابقة عن الطريق، ولكنك لا تعرف أن هذا الطريق قد تعرض لتغيرات جيولوجية، كما امتدت إليه يد الإنسان، وبدّلت من جغرافيته.
أنت تذهب إلى البحر، وفي مخيلتك الصورة السابقة عن الطريق، وتظل تمشي وتتابع السير حتى تقع في المحظور، وتغرق في اليقين، يبقى العقل مثل صندوق قديم، يحفظ مقتنياتك القديمة، وتظل أنت مصلوباً على حبل الحنين، لأشياء عفا عليها الزمن، ولكنك لا تستطيع المفارقة، أنت في اليقين تعيش حالة التعلق، بذاكرة شبه وعاء صدئ، ولكنك لا تقتنع أن الوعاء صدئ، ولا يمكنك الانتقال من اليقين إلى الحيرة التي تمنحك فرصة البحث عن البديل، أنت في اليقين مثل العصفور في القفص، يبدو للناظر أنه قفص من ذهب، ولكنه في نهاية الأمر، لا يختلف القفص الذهبي، عن القفص الحديدي، فكلاهما يمنعان العصفور من الطيران، وكلاهما يحطان من قيمته كطائر، مكانه في السماء تحت السحابة وليس الفضاء الضيق.
أنت في اليقين، لا تحسب حساب الأفكار الأخرى، لأنك اختزلت الزمن بفكرة، ربما تكون الفكرة التي تأخذك إلى القبر.