عندما تمور سماء الناس من حمى وطيس الأوبئة، وتزعزع ضمائرهم من كارثات الجوائح، وينادي مناد السلامة «ادخلوا بيوتكم»؛ يتوجه الناس حينها إلى ما يخمد لظى ذلك، ويطفئ جمرته، إلى جنان البيوت، ومرافئ السكن، ومحاضن الطمأنينة والسكينة، إلى كل امرأة، أجل، إنها المرأة التي اعتادت على مقارعة الظروف، وقَوي ساعدها في حومة الصبر على تحمل المسؤوليات، واستمر عطاؤها وظلّ غادقاً مهما اختلفت الأزمات، وبقي وجودها في بيوتنا على الدوام مصدراً للسعادة والحنان؛ (جدةً وأمّاً وزوجة وأختاً وابنة)، وبقيت مشاركتها في الخطوط الأمامية لمواجهة وباء كورونا عطاء نثمنه، وفخراً نسطره؛ (مسؤولةً وطبيبةً وممرضةً ومتطوعةً وموظفة).
وليس ذلك عن المرأة بغريب أو بعيد، فقيامها بهذا التصدر لهذا الدور لا يماثله إلا تصدير القرآن الكريم لها في كثير من المواطن والسياقات المحتفلة بها، وقد ذكر المفسرون أن البدء بالشيء في سياق الامتنان والثناء؛ علامة على الاهتمام والتنويه والتخصيص والتكريم، كما أن لنا في موقف أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصة بدء الوحي؛ قدوةً ودليلاً، فقد كانت –رضي الله عنها- خير مواسية له في الأزمات، ونعم المشارك له في جميع الشدائد.
وها هي المرأة تواصل العطاء في مواقفها، وتثبت للعالم في عصر كورونا أنها هي العطاء بلا حدود، والعمل الذي تزخر به الميادين، وهي الحنان الذي يحف البيوت، ويغرس الطمأنينة، والتضحية بمعناها الحقيقي، وأحد مقومات الأمان للأوطان، وإذا كان أحد يستحق من التقدير أوفره، ومن الشكر أجزله؛ فإنها المرأة تستحق ذلك بمشاركتها البطولية في التدابير الوقائية، ومجالدتها للآثار الاجتماعية والأسرية لهذه الظرفية الاستثنائية، فنقول بكل فخر: شكراً لكل امرأة.
شكراً لكل امرأة في خطوطنا الأمامية، فسيرة كل امرأة عاملة في القطاع الصحي اليوم جديرة بأن تملأ صفحات البطولة بمنجزات ومواقف، تواجه الحرب ضد هذا الوباء مع شقيقها الرجل في زوبعته الثائرة بعيداً عن أسرتها وأبنائها وبيتها، وتعرض نفسها لخطر مخالب هذا الفيروس، آثرت أن تسطر الفضائل الخالدة في الحرب ضد عدو الإنسانية المشترك، وكأنها تذكرنا بقول الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه: «إن الحرب تفتح الميدان الخصيب، الشاسع العريض للفضائل كلها، لأن في كل لحظة من أيام الحرب يتجلى الثبات والعطف، والعظمة والبطولة، والرحمة والإحسان، وكل لحظة من أوقات الحرب تقدم الفرصة السانحة لإظهار فضيلة من هذه الفضائل».
شكراً لكل امرأة في بيتها، إذ المرأة في البيت كالشمس في ضحاها، وكالنور الذي مهما ألقي عليه من أغطية المسؤوليات ظلّ مشرقاً ينير فوق ما يلقى عليه منها، والمتأمل للمرأة في بيتها اليوم يجد أن أعمالها مضاعفة، ومسؤولياتها مترادفة بسبب هذا الوباء، فأصبحت رعاية أفراد أسرتها صغاراً وكباراً تقع على عاتقها، تقوم (بالعمل عن بُعد) بكل احتراف واقتدار، وتؤازر زوجها في أداء عمله من بيته أيضاً، ونراها في (التعليم عن بعد) هي المعلمة والمتابعة والمشرفة والمنسقة، تسهر من أجل سير هذه العملية التعليمية بنجاح، وتحاول جاهدة أن تُلم بمعظم التخصصات لتساير منظومة مناهج التعليم بكل أمانة، وفي (التباعد الجسدي) نجد المرأة هي الحارسة اليقظة في البيت؛ تتابع تطبيق التعليمات، وتجري التحقق من التعقيمات على كل الواردات، وفي الاهتمام بـ (كبار المواطنين والمقيمين) وإيلائهم العناية والرعاية التي يستحقونها في هذا الوقت العصيب؛ نجد المرأة لا يهنأ لها بال في رعاية هذه الفئة عن غيرها، لعلمها أن هذا الوباء لهذه المرحلة كالغريم يلاحقها، فإذا لحقها فتك بها، ويضاف لكل ذلك أعمال المرأة الجوهرية في البيوتات؛ فهي القائمة بالقيم الأسرية ترسيها، والراعية لحقوق البيت المعنوية تقررها وتُعليها.
نقول دائماً شكراً لكل امرأة، ونؤكد في كل موقف: أن تضحية المرأة من أجل مجتمعها ليست غريبة على مجتمع دولة الإمارات، فهي نتاج متابعة وغرس أم الإمارات سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك –حفظها الله- الداعم الأول للمرأة الإماراتية، التي توصي النساء دائماً بأداء مثل هذه الأدوار، فهي التي تقول: (أذكّر كل أم وكل زوجة بأن بيتها وأبناءها هم الأساس، وهم أهم وظيفة لها إذا لم تجد في نفسها القدرة على العدل بين البيت والعمل خارجه)، إنها تحية تقدير وشكر (للمؤنسات الغاليات)، لكل جدة وأمّ وكلّ زوجة وبنت وأخت، ساهمن في الخطوط الأمامية، وثابرن في استقرار بيوتهن لتجاوز هذه الأزمة، فشكراً لكنّ جميعاً.

*المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.