عندما فاجأ فيروس «كورونا» المستجد العالم بأكمله، عادت قضية الأمن الغذائي والمخزون الاستراتيجي إلى الواجهة، وتناقلت وسائل إعلام صور الرفوف الفارغة في متاجر أوروبا، كما نشرت مواقع التواصل الاجتماعي صور الطوابير أمام محلات السوبرماركت في عدد من مدن العالم، ووردت أخبار عن تزايد اقتناء الأميركيين للأسلحة لحماية أنفسهم من احتمالات انهيار الأمن في مدنهم، فيما كان تأثير تفشي كورونا في إيطاليا وكثافة أعداد المصابين سبباً للهلع لدى المستهلكين في ظل حظر التجول والإغلاق التام، ما أدى إلى بروز أزمة الحصول على السلع الأساسية، بالتزامن مع الجائحة، وخاصة أن العالم أصيب بصدمة تسارع تفشي الفيروس، ولم يتم الالتفات إلى إشكالية الأمن الغذائي.
في هذه الظروف الاستثنائية العالمية، أثبتت دولة الإمارات حرصها المبكر على توفير مخزون غذائي استراتيجي لتأمين احتياجات المجتمع، ثم جاءت التطمينات والتباشير التي تبعث على الشعور بالأمان والثقة، على لسان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما بادر سموه في لقاءات واجتماعات حكومية عديدة، كانت مخصصة لبحث التدابير الحكومية الاتحادية المتعلقة بالشؤون الصحية والوقائية، والمبادرات التعليمية والاقتصادية لمواجهة تداعيات فيروس «كورونا»، وخلال تلك اللقاءات تم تأكيد قدرة الدولة على تأمين الغذاء والدواء، وأن السلع والمتطلبات الأساسية ينبغي أن تكون خارج نطاق الهموم، وأطلق سموه عبارة «لا تشيلون هم» لبث الشعور بالطمأنينة التي تسود الجميع في الإمارات.
ولا ننسى أن تموضع الإمارات اقتصادياً في المنطقة، يجعلها ذات مخزون استراتيجي غذائي كبير، وخاصة أنها رائدة في خدمات التصنيع الغذائي والتوزيع على مستوى إقليمي.
إن نهج الاستدامة في الإمارات يؤتي ثماره على كافة المستويات، ولم يلمس المواطن والمقيم أي نقص في الغذاء والسلع الأساسية، لأن الإجراءات الاحترازية التي شملت إغلاق بعض الأسواق أبقت على عمليات التوزيع الأساسية للغذاء إلى منافذ البيع.
وكما اعتدنا في الإمارات على مأسسة كل الخطوات الاستراتيجية، وتأطيرها بالقوانين الملزمة والضامنة للتنفيذ والتنظيم وحسن الأداء، اعتمد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2020 بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية في الدولة، بهدف تنظيم المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية في حال حصول أزمات وطوارئ وكوارث، وتحقيق الاستدامة في مجال الغذاء.
وفي تفصيلات القانون، نجد الكثير من الأحكام التي توفر ضمانات لتأمين واستدامة توفر الغذاء، وسلامة مخزون السلع الأساسية التي لا يستغني عنها كل بيت.
الطبيعة الإلزامية لهذا القانون، تتوازى كذلك مع تسهيلات حكومية يحصل عليها المزود والتاجر، كما أن الالتزامات التي يفرضها القانون على التاجر تكفل توزيع المخزون الاستراتيجي السلعي، بناءً على خطط الجهات الرسمية المختصة، وهذا البند الهام يجنب المجتمع ما تعانيه الكثير من الدول التي تواجه جريمة احتكار السلع واختزانها في الأزمات بهدف رفع أسعارها، وبالطبع فقد أدرك المشرع للقانون ضرورة النص على عقوبات للمخالفين، فلا قانون من دون عقوبات رادعة تضمن تنفيذه.
ما يبعث على الثقة باستدامة الغذاء ومخزونه الاستراتيجي في الإمارات، أن الأمن الغذائي هدف ثابت على جدول اهتمامات قيادة الدولة، ومما يجدر ذكره أيضاً أن استدامة الأمن والاستقرار في الإمارات انعكست على الروح العامة للمجتمع، بحيث أصبح مفهوم الأمن الغذائي أكثر رسوخاً، لأنه ينبع من طبيعة سلوك المستهلك، الذي لم يظهر الهلع والقلق، بل تقيد الجميع بالتعليمات، ونلمس الالتزام الجماعي، من خلال تسهيل عمل فرق التعقيم الوطني، والتكيف مع الفترة المخصصة لذلك في ساعات المساء.