كدأبها، تثبت دولة الإمارات أنها الأم الرؤوم التي تحتضن أبناءها وتحنو عليهم وتحرص على حمايتهم ووقايتهم وتفتح ذراعيها لهم دائماً وفي الظروف كافة، ليفيئوا إلى ظلها ويلتحفوا عباءتها، وتقف كالطود الشامخ تدفع عنهم العاديات وتقيهم الشر والمحذور، لا لشيء إلا لأنهم أبناؤها الذين تحبهم وتحرص على سلامتهم وسعادتهم من دون أن تنتظر منهم جزاء أو رداً للجميل.
ولأن الله حباها قيادة رشيدة تضع الإنسان على رأس قائمة أولوياتها، وتنظر إليه على أنه الثروة الحقيقية والهدف الأساسي للجهود والمشاريع والسياسات والمبادرات كافة، فقد كانت الإمارات دائماً سباقة في مجال الاعتناء بأبنائها وتوفير كل السبل التي تضمن لهم أفضل مستويات الحياة، وسخرت كلّ ما أنعم الله عليها به، في سبيل إسعادهم، فاهتمت بصحتهم وسلامتهم في ظروف الرخاء والشدّة، وحرصت باستمرار على أن توفر لهم أحدث ما توصل إليه العلم وأرقى ما أبدعته التكنولوجيا من وسائل العلاج والوقاية، حتى يعيشوا حياتهم بصحة وعافية ويسهموا في بناء وطنهم وخدمة مجتمعهم على الوجه الأمثل.
جائحة كورونا التي تجتاح العالم وتعجز أقوى الدول وأكبرها وأكثرها تطوراً علمياً وتقنياً وعسكرياً عن مواجهتها، وتقف أمامها الحكومات في شتى أنحاء العالم في حالة صدمة وذهول وتخبط في بعض الأحيان في آليات وسبل حماية شعوبها منها، لم تزد دولة الإمارات سوى تألق وتميز وقدرة على إدارة الأزمات وتحويلها إلى نجاحات وتذليل الصعاب وتطويع التحديات، لتكتب بجهودها لحماية أبنائها من المرض ومساعيها الدؤوبة لقهره ومنعه من الانتشار في صفوف المواطنين والمقيمين، صفحات خالدة في تاريخ الإنسانية ستظل تتعلم منها الأجيال والأمم والدول معاني بناء الأوطان وكيفية المحافظة على سلامة أبنائها وصون حياتهم وتقديسها.
قبل إعلان منظمة الصحة العالمية تحول هذا المرض إلى وباء عالمي، وفور بداية انتشاره في مهد انطلاقه بمدينة ووهان الصينية ومنها إلى بؤر الانتشار الأخرى مثل إيران وإيطاليا وغيرها من الدول الموبوءة، كانت دولة الإمارات سباقة في التنبه إلى خطورته، وأدركت قيادتها الحكيمة ومن منطلق إحساس الأبوة والأخوة تجاه مواطنيها أهمية إجلائهم من كافة الأماكن التي تظهر فيها إصابات بالفيروس، حتى ولو كانت على نطاق ضيق، وذلك لحمايتهم منه وضمان عدم إصابة أي منهم به، وبالتالي منع وصوله إلى أرض الدولة، فكان أن نظمت جسوراً جوية مستمرة لإعادة المواطنين إلى البلاد، بل وتسامت في إنسانيتها ومساعيها النبيلة لتوجّه بأن تشمل عمليات الإجلاء، رعايا الدول العربية الشقيقة وغيرهم من رعايا دول العالم الأخرى إلى الدولة واستضافتهم في مدينة الإمارات الإنسانية لمعالجة المرضى منهم ومتابعة غير المصابين، ريثما تثبت سلامتهم وخلوهم من المرض، في مبادرة غير مسبوقة انحنى لها العالم احتراماً وتقديراً وإعجاباً.
لم تدخر الدولة جهداً، ولم تهمل فرصة إلا واستثمرتها لاحتضان أبنائها وحمايتهم من غائلة المرض، وتقديم كل أشكال العون والدعم والمساعدة لمن يحتاج منهم لإعادته إلى أرض الوطن، فجندت وزارة الخارجية طاقاتها للوصول إليهم على أي أرض وتحت أي سماء، ودعت كل من يوجد منهم في الخارج إلى سرعة العودة إلى الإمارات والتسجيل في خدمة «تواجدي» التي تتيح لسفاراتنا وبعثاتنا الدبلوماسية التواصل معهم والوصول إليهم، خصوصاً بعد قيام العديد من دول العالم بإغلاق حدودها وتعليق الرحلات الجوية منها وإليها، وكذلك في ظل قرار تعليق السفر الذي أصدرته الدولة حفاظاً على سلامة المواطنين وحرصاً على تحمل مسؤولياتها تجاههم.
بالأمس، توجت جهود الدولة بالتوجيهات الحكيمة التي أصدرتها القيادة الرشيدة باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لإجلاء المواطنين ومرافقيهم في الخارج، والتواصل معهم والاطمئنان على أحوالهم، والعمل بكل الإمكانات المتاحة لإعادتهم إلى أرض الوطن سالمين، والتي أثمرت تنظيم 39 عملية إجلاء جوية وبرية عاد من خلالها 1743 شخصاً إلى ديارهم بأمان، وألسنتهم تلهج بالدعاء بأن يحفظ الله الوطن وقيادته المخلصة، وأن تظل الإمارات على الدوام وطن المجد والخير والحب والعطاء.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارزت للدراسات والبحوث الاستراتيجية.