لدى الولايات المتحدة الآن حالات إصابة بفيروس «كوفيد -19» تفوق إجمالي الحالات المسجلة في بقية العالم. على أن عدد الحالات الجديدة والوفيات يواصل الارتفاع بشكل تسارعي، في وقت من المتوقع أن يبلغ فيه عدد الإصابات ذروته في أكثر الولايات تضرراً في منتصف أبريل. واعتباراً من 1 مارس 2020، مات من الأميركيين جراء الفيروس أكثر ممن قُتلوا في الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001. ومن المتوقع أن ترتفع حصيلة القتلى بشكل دراماتيكي خلال الأسابيع المقبلة.
بيد أنه إذا تسنى إبطاء الارتفاع في عدد حالات الإصابة في الولايات الأكثر تضرراً حالياً، وخاصة نيويورك، فإن ذلك لن يعني أن الاحتواء عبر الولايات المتحدة قد نجح. ذلك أنه من المتوقع أن تواجه تلك المناطق الأميركية التي سلمت من غضب الفيروس حتى الآن أزمات خاصة بها. وهذا ينطبق بشكل خاص على المناطق الريفية والفقيرة من البلاد، حيث الخدمات الطبية في الحد الأدنى، وبين نزلاء السجون ومئات الآلاف من الأشخاص المشردين الذين يوجدون في حالة هشة، وخاصة في ولاية كاليفورنيا.
وإضافة إلى الولايات المتحدة، فإن المناطق التالية التي تثير القلق توجد في جنوب النصف الغربي من الكرة الأرضية الذي يوشك على دخول موسم الأمطار. وهذا يشمل المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في أميركا الجنوبية، وخاصة البرازيل وكل أفريقيا جنوب خط الاستواء والجزر الإندونيسية.. إذ من المتوقع أن تشهد هذه المناطق زيادة في عدد حالات الإصابة التي قد تكون مميتة بشكل خاص جراء ضعف المنظومات الصحية فيها.
الأولوية العالمية في هذه اللحظة ينبغي إعطاؤها للإجراءات الكفيلة باحتواء الفيروس، بما في ذلك الإغلاق والعزل الصحي وتعليمات منع الناس من الذهاب إلى العمل إلا لظروف وأسباب استثنائية. غير أن كل هذه التدابير ستجعل اقتصادات معظم البلدان تعاني من بطالة جماعية واضطرابات على الصعيد العالمي في التجارة، بما في ذلك سلاسل الإمداد الأساسية الخاصة بصناعة السيارات، والحواسيب، والأدوية.
وفضلاً عن ذلك، فقد ساعد التباطؤ الاقتصاد العالمي على انخفاض دراماتيكي في أسعار النفط، مما سيعود ببعض الفوائد على المستهلكين، لكنه سيمثّل خبراً غير سار بالنسبة لكبار المنتجين، بمن فيهم الولايات المتحدة.
وقد ساق بعض زعماء العالم مجموعة من الحجج، خلال الأسابيع الأخيرة، للتدليل على ضرورة العودة المبكرة إلى العمل، غير أن خبراء الصحة سرعان ما ردوا محاججين بأن مثل هذه الخطوة لن تؤدي إلا إلى زيادة الوباء سوءاً. وبالتالي، يبدو أن ثمة إجماعاً ناشئاً، في الوقت الراهن، مؤداه أن إبطاء الفيروس أهم من الاعتبارات الاقتصادية. غير أنه ينبغي ألا يكون ثمة شك في أن التداعيات الاقتصادية للوباء على المدى الطويل ستكون شديدة ووخيمة. وهذا سيشمل المعاناة المالية، لكنه يمكن أن يعني أيضاً ندرةً في المواد الغذائية واضطرابات اجتماعية، بما في ذلك أعمال عنف.
وأمل المتفائلين هو أنه عندما يتم احتواء الفيروس بشكل فعال ويتم اختبار لقاحات جديدة بنجاح ويتم إنتاجها على نطاق واسع، سيستطيع الاقتصاد العالمي التعافي بسرعة، نظراً لأن المؤسسات المالية الأساسية ما زالت قوية وتتمتع بسيولة. غير أن هذا يفترض أن مواطني العالم سيضعون فظاعات الوباء جانباً ويعودون إلى أنماطهم السلوكية المعتادة. وبالمقابل، يحذّر المراقبون الأكثر تحفظاً من أن الصدمة النفسية التي سيخلّفها الفيروس لن يمكن وضعها جانباً بسهولة. ذلك أن لا أحد يعرف التأثير النفسي الذي ستتركه الأزمة على الأفراد. فهل سيسارع الناس إلى السفر من جديد على متن السفن السياحية الضخمة والطائرات التي ظلت رابضة في المطارات والمراسي لا تتحرك على مدى عدة شهور؟ ربما سيرغب بعض الأشخاص في الاستفادة من العروض المغرية والأسعار المنخفضة، لكن لا شك في أن الأشخاص الأكبر سناً، أي الأكثر ضعفاً وهشاشة إزاء الفيروس، سيكونون جدّ حذرين إزاء هذه المخاطرة إذا كانت هناك لقاحات.
ولعل التحدي الأكثر صعوبة للعودة إلى «الوضع العادي» يكمن في الحاجة إلى التغلب على القومية المتزايدة والقيود الحدودية الأكثر شدة وصرامة، والتي فُرضت من أجل وقف حركة الأشخاص خلال انتشار الوباء. هذه العوامل قد تكون الأكثر ضرراً بالنسبة لتعافي الاقتصاد العالمي، ويمكن أن تؤدي إلى نظام عالمي جديد جد مختلف عن التوقعات المتسرعة التي أعقبت نهاية الحرب الباردة في التسعينيات.

*مدير البرامج الاستراتيجية في مركز «ناشونال انترست»- واشنطن