لطالما وضعت هذه الكتب على رف خاص قريب، حتى أبدأ في قراءتها في أقرب وقت ممكن، لكن هذا الوقت القريب لم يأت بعد، وظلت الكتب تراودني عن نفسها كل صباح وكل مساء.. اليوم وبعد العزلة التي أصبح يفرضها فيروس كورونا على الجميع في أنحاء العالم كله تقريباً، صار الرف أرففاً، وصارت عندي كل يوم عناوين جديدة تتعين قراءتها، وصار التوصيل المنزلي ضيفي الجميل، أنتظره لعناق الأحبة القادمين من المطابخ وأرفف المكتبات.
ما أجمل هذا العزل المنزلي وما أهمه! وكأنه جاء لنجلس ونعيد حسابات مؤجلة وقرارات تراكمت ودروساً عبر المنصات الافتراضية، صنعت الأثر كأجمل ما يمكن.
حتى الرفاق والزملاء الذين باعدت بيننا وبينهم المشاغل.. ذهبت لهم الرسائل والاتصالات المباشرة، لتوقد الجمر الساكن تحت الرماد، وتثير الضحكات والأشواق وجميل المعاني من وفاء واهتمام.
لماذا أسمع التذمر من الجلوس في البيت وكأنه عقوبة؟ إنه بالنسبة لي على الأقل يمنحنا معنى مختلفاً لـ«حب الحرية»، إنه الحرية في عدم التعرض للمرض، إنه الفرصة من أجل بعث الحياة في أمور معطلة وقضايا عالقة وبيوت تحولت إلى فنادق فقط لا نعرفها إلا عندما يأتي وقت النوم.
هذا الوباء هو طاعون العصر، أي الطاعون الذي كان الناس ينعزلون خوفاً من انتشاره، ونحن اليوم علينا أن نأخد هذا المرض، وكأنه الموت الواقف عند باب المنزل لا مرحباً به.. ولنغلق الأبواب والنوافذ دونه.
العزل المنزلي اليوم صار هو العلاج الناجح، وهو الحل الأفضل قبل أن يتحول الوباء إلى نار تأكل كل جاثم أمامها، لا يضير أن يكون البيت المأوى والعزل، فهذا خير من أن نكون مصدر قلق وخوف وعدوى لكل مَن حولنا، خاصة أهلنا من كبار السن، فأمي اليوم هي أولى الناس بالحماية والحرص على صحتها.. كيف لي أن أزورها وأنا أحمل معي سوابق من مخالطات بشر، ربما كان بعهضم مصاباً دون أن يدري؟
اليوم حان وقت العزلة الهادئة الجميلة البعيدة عن الذعر وتصدير الذعر للآخرين، هذا الوباء منعطف تاريخي لن يمر دون أن يترك أثره علينا، نحن أبناء هذا الجيل المرفه من كل أصقاع الأرض.
سيكون التاريخ بعد عام من الآن، أي بعد انقشاع وباء كورونا، مختلفاً عما قبله، سيكون شعورنا بالمسؤولية والشجاعة هو مصدر الفخر، عندما نحدث الأحفاد عن العزلة التي تحولت إلى شموع في ليل القلق والخوف.
هناك قدر غير قليل من القلق الرابض في أعماق أصواتنا وصلواتنا، إلا أن الأمل في دعوة مجابة من رب رحيم تزرع فينا اليقين، بأن العبور قريب، وبأن الحياة ستعود لتدب قريباً في مفاصل حياتنا اليومية، وكما جاء كورونا دون سابق إنذار، فإنه سيختفي تماماً بحول الله وقوته، فجأة ودون سابق إنذار.
علينا جميعاً اليوم أن ننعزل ونرقب الأمل القادم نحو انتظارنا كأقرب ما يكون.

*كاتبة إماراتية