في منتصف ليل الخميس، تم إغلاق الطريق الوحيد المؤدي إلى بلدة «يارابا»، مثل العديد من المجتمعات النائية في أنحاء أستراليا، وقامت البلدة بإيقاف الجسر المتحرك لمنع فيروس كورونا من الدخول، ولا يسمح سوى بدخول موظفي الطوارئ والعاملين في مجال الصحة، بعد التحقق من درجات الحرارة، وعزز حراس المنتزهات الدوريات البحرية لمنع الوصول عن طريق الزوارق.
ومع وجود سكان أستراليا الأصليين بين هؤلاء الأكثر ضعفاً بسبب الظروف الصحية الكامنة، فإن المعركة لوقف انتشار الفيروس قد تكون معركة حياة أو موت.
ويقول «جيسون كينج»، كبير مسؤولي الشؤون الطبية في يارابا: «إنها أزمة صعبة للغاية، لأننا نتحدث عن شريحة من المجتمع لا تستجيب بشكل عام للقواعد واللوائح الثقيلة».
وبعد أخذ استراحة قصيرة عقب تجهيز عيادة جديدة للحمى، ستعمل على تكثيف اختبارات فيروس كورونا، قال كينج إن الإغلاق يحظى بدعم ساحق من الناس، الذين هم بالفعل أكثر عرضة للإصابة بالفيروس، بسبب ما يعانونه من أمراض مزمنة مثل القلب والسكري. وأضاف: «لدينا 3.500 شخص هنا يعيشون فيما يقرب من 350 منزلاً، وهذا وحده يخبرك بما نحتاج إلى التعامل معه يومياً».
واستناداً إلى سلطات الحكومة الأسترالية، بموجب قانون الأمن البيولوجي، منح رئيس الوزراء «سكوت موريسون»، الأسبوع الماضي، ولايات البلاد السلطات لتقييد الدخول إلى مجتمعات السكان الأصليين، وقد استجاب الإقليم الشمالي معلناً أن الإجراءات ستنطبق على 76 مجتمعاً نائياً، بينما أعلنت أستراليا الغربية قيوداً مماثلة.
وفي كندا أيضاً، تحاول محميات السكان الأصليين (الأمم الأولى) التكيف مع الإجراءات الروتينية الصارمة المتعلقة بغسل اليدين، مع افتقار الكثير منها لمياه الشرب العذبة.
وينتشر المرض الآن في جزر المحيط الهادئ الفقيرة، ذات الموارد الطبية المحدودة بالفعل. وقد دخلت جزيرة «فانواتو» الحجر الصحي وسط مخاوف من تضرر شعبها من ركاب سفينة سياحية، بينما دخل سكان بابوا غينيا الجديدة، وعددهم 9 ملايين نسمة، إغلاقاً وطنياً لمدة 14 يوماً.
وقال «جيسون أجوستينو»، طبيب يعمل منذ بداية الأزمة كمدافع عن المنظمة الوطنية للصحة التابعة لمجتمع السكان الأصليين في كانبيرا: «لقد انتشر هذا المرض بسرعة كبيرة، لدرجة أن الجميع ركزوا على إغلاق المداخل وحماية مجتمعاتهم»، وأضاف: «لكن مع المضي قدماً سيكون من المهم تبادل معلومات واستراتيجيات الإغلاق مع الشعوب الأصلية في أميركا الشمالية ونيوزيلندا وجزر المحيط الهادئ»، وأوضح: «إننا جميعاً نتعامل مع مشاكل متشابهة تقريباً؛ معدلات مرتفعة من الأمراض المزمنة، ومستويات متزايدة من الفقر والازدحام المفرط، وبعض الأماكن المعزولة تماماً، حيث يظل ضمان توفر الإمدادات من خلال طرق لوجيستية آمنة مشكلة كبيرة».
وليست فقط مجتمعات السكان الأصليين هي التي تغلق أبوابها، فهناك أيضاً جزيرة شمال سترادبروك، ثاني أكبر جزيرة رملية في العالم، الواقعة قبالة ساحل بريسبان، والتي عادةً ما تكون ملاذاً سياحياً مزدهراً، وبحلول الخميس الماضي، أغلقت الجزيرة نفسها أمام الوافدين غير المقيمين، مع وجود بارجة لتقديم الخدمات والإمدادات الأساسية، وكانت الشرطة تفرض النظام الجديد في مرفأها، حيث غادر العدد القليل من المقيمين في مخيمات والسياح إلى البر الرئيسي لترك السكان الدائمين، وعددهم 2.000، وشأنهم. وقال جرايم وانت (68 عاماً)، رئيس نادي أوعية العشب في الجزيرة: إن «الجو هنا هادئ بشكل مخيف»، وعادة ما يكون النادي مشغولاً بتقديم طعام الغداء للزبائن، ويوم الخميس الماضي، كان مهجوراً بسبب الحظر الذي فرضته الحكومة الفيدرالية على الخدمات غير الضرورية، مثل المطاعم والمجمعات الرياضية والمقاهي، وأضاف «وانت»: «هذا الوضع أضر بمجتمع الأعمال بشدة، ولا يزال هناك بعض الارتباك والتوتر بشأن المدة التي سيستمر عليها هذا الوضع».
ولا تزال التأثيرات المتتالية للفيروس التاجي على الحياة اليومية، إلى جانب تدابير معالجتها، تتم دراستها في جميع أنحاء أستراليا الإقليمية والنائية، وهناك قلق من أن خدمة الطبيب الطائر الملكية، التي تعد السبيل الوحيد للوصول للرعاية الطبية بالنسبة للعديد من الأسر التي تدير مزارع الماشية الواقعة أحياناً على بعد 10 ساعات بالسيارة من أقرب مدينة، قد تحتاج إلى دعم عسكري في حالة إصابة بعض أفراد طاقمها الطبي.
ويخشى سكان بعض المدن الداخلية الأسترالية، من أن آلاف العمال الذين يسافرون من جميع أنحاء أستراليا للعمل في المناجم، ربما يحملون معهم الفيروس.
ومع ذلك، في يارابا، حيث لا يزال صيد الكنغر والحيوانات الأصلية الأخرى جزءاً من الحياة اليومية، يمكن للتحديات الهائلة التي يخلقها الفيروس أن تؤدي إلى بعض النتائج الإيجابية، يقول كينج: «هناك الكثير من الأمور التي نقوم بها في هذه الاضطرابات الهائلة، مثل تمكين الناس من الاعتناء بأنفسهم بشكل أفضل، حتى يتمكنوا من تقليل فرص الإصابة بالمرض».

جيسون سكون*
*مراسل «بلومبيرج» في كانبيرا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»