خطر يأتي من شيء استحال على العين ملاحظته، ولم نتعرف بعد على مصدره الأصلي، يعيش ربما في جسد أحد الحيوانات، أو يعد كمينه فوق إحدى أزرار المصعد، أو شيء يحيط بنا أوصله مصاب لم تكتشف إصابته بعد، إلى كابوس مؤرق «اخطبوطي الانتشار» يتردد على الأسماع، ويرتاد صهوة وسائل الإعلام، ويضاعف تعقيم عتبات البيوت، وحتى مكونات القِدْر داخل مطبخنا تحاول مقاومته، ولكن - للأسف – لا يزال البعض ممتنعاً عن إدراك ما يعنيه ذلك!
فمند ظهور فيروس (Covid 19) وتفشيه في أرجاء العالم، بلا اعتبار لأي اختلاف جغرافي أو ديني أو جندري (نوعي)، أو غيرها من الفروقات «الأسطورية» التي كشف الفيروس خرافتها، حصد هذا المتناهي في دقة حجمه آلاف الأرواح، وتسبب في إصابات لا تزال في تزايد مع كل دقة لعقارب الساعة، ولا يزال العالم بانتظار «لقاح المعجزة» لتستعيد البشرية حياتها.
وإلى أن يتحقق حلم الإنسانية القريب، شرعت كل الدول -بلا استثناء- بتنفيذ عدة قرارات وقائية، سعياً لإيقاف وطأة «مطحنة كورونا» من تدابير الحجر الطبي بين الحظر الاختياري أو الإجباري بالجلوس في البيوت، أو إجراء الفحوصات العشوائية، أو تطبيق نظام العمل أو الدراسة عن بعد وغيرها الكثير من الإجراءات، وعلى الرغم من هذه المحاولات التي تضخ فيها ساعات وأيام من جهود الحكومات والعلماء والمعنيين، إلا أن ذلك كله قد يضيع بسبب «مستهتر» لا يعي ما تعنيه الأزمات، ولا يعرف أن تغييراً طفيفاً بالإيجاب أو السلب قد يبدأ من عنده.
إن احترام التعليمات الصادرة من الجهات المختصة بالصحة، وأنظمتها الخاصة في الحماية من فيروس كورونا ونقله؛ ما هي إلا واجب شرعي قبل أن يكون وطنياً، أو نابعاً من مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه، لأن الالتزام بتعاليم الوقاية الصحية هي صون للأرواح والأموال، وأمن البلدان من الأخطار القاتلة، فلم تضطر الجهات القائمة على تدبير أمور المجتمع باتخاذ الإجراءات الصارمة إلا حفاظاً على سلامة المجتمع وسلامة أفراده.

يقول الحق في محكم تنزيله: «وَمَا كَانَ لمؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه»، أي أن حالة الاستهتار التي يستسهلها البعض في «الاسترجال» على مخالفة القوانين واتباع الاحتياطات الوقائية، ما هي إلا إزهاقاً متعمداً أو مسبباً لأرواح المسلمين أو غيرهم، وفعله من قبيل القتل شبه العمد؛ لأنه دافعه اللامبالاة المقصودة، فلا فرق بين من يخرج في الظروف الراهنة من بيته بلا ضرورة، وبين من يحفر حفرة في طريق الناس فيقع فيها إنسان ويموت، وهذا ما يدعى بـ «القتل بالتسبب».
ومن الجانب القانوني، فيتحمل كل من خالف ما يقع عليه من عقوبات تعزيرية، لا سيما أن الإعلان عن القانون ملزم، فكيف يكون وقد أعلن المجتمع الدولي أنه في «حالة حرب» ضد هذا الفيروس القاتل، مما يعني جواز إعلان حالة الطوارئ، واستعمال كل الوسائل المشروعة في الحد من تفشيه وإصابة المواطنين بدائه، من الناحية القانونية أيضاً.
ورغم ما يشوب المجتمعات كافةً من حالات شاذة، عناداً أو جهلاً، إلا أن القيادات الحكيمة والأسر الواعية تجدد العزم، وتتمسك بالأمل للانتصار على هذا الفيروس، لنبدل ضجته القاسية إلى فرحة بالانتصار على أنفسنا أولاً، وتلقينها الالتزام والانضباط والإرادة، ثم على هذا الفيروس الذي سيغادر، وقد تعلمنا من عسره الكثير، من توكل على الله وأخذ بالأسباب وحسن إدارة أوقاتنا في الحجر المنزلي، وهذا يذكرني بقول العلامة سيدي محمَد السوسي في زمن وقوع الوباء: «وليعلم العبد أن الجزع لا يفيد، بل يؤدي إلى الهلاك، بإخلال صاحبه بالواجب عليه، وتضييع العمر فيما لا يجدي من الأوهام التي هي كالهباء، وإنما عليه: القيام بتكاليفه، والسعي فيما يخلصه من ذنوبه، قبل أن يُؤخذ بها، مستعداً للرحلة والقدوم على ربه، وقد قدر الله الحركات والسكنات، والأجل والأرزاق والأنفاس، ولن تموت نفس حتى تستكمل أجلها ورزقها، (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها)، ولا ملجأ ولا منجا إلا إلى الله.. والرضا بقضاء الله واجب، والإيمان بالقدر واجب، خيره وشره».

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة