مع تفشي وباء كوفيد-19، نجد أننا أمام إغراء لا يقاوم، لمقارنة الوضع بأعظم تعبئة منذ الأربعينيات، والأمثلة كثيرة، في الأسبوع الماضي قام رئيس الوزراء الإيرلندي «ليو فرادكار»، أثناء مناقشة مع المتخصصين في مجال الرعاية الصحية، باستحضار شخصية وينستون تشرشل، بإعلانه: «لن يطلب كثيرون هذا القدر من قلة قليلة»، وأعلن حاكم نيويورك «أندرو كومو» أن «أجهزة التنفس الصناعي بالنسبة لهذه الحرب، مثلما كانت الصواريخ بالنسبة للحرب العالمية الثانية»، حتى ألمانيا تقارن الأزمة بالحرب، حيث وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الوباء بأنه أكبر تحدٍ يواجه بلادها «منذ الحرب العالمية الثانية».
إن هذه المقارنات قوية، لأنه يمكن القول إن الجبهة الداخلية للحرب العالمية الثانية كانت ضرورية للانتصار في الحرب تماماً مثل القوات نفسها، لكن بينما تحتفل الولايات المتحدة بالتعبئة التي قامت بها في زمن الحرب، نسيت ذاكرتنا الجماعية الواقع الفوضوي كما حدث بالفعل.
ورغم نسيانها اليوم، فإن الجبهة الداخلية لم تتوحد بسلاسة بعد معركة «بيرل هاربور»، وكثيراً ما كان الناس يقاومون اتباع التوجيهات الحكومية، لكن يجب أن نتذكر نضال الحكومة في البداية لبيع سندات الحرب والتغلب على الانقسامات الداخلية، إن تذكر ما استغرقه الأمر للتغلب على هذه العقبات أمر ضروري، للتغلب على المخاطر الصحية والاقتصادية لتفشي فيروس كورونا اليوم، والذي قد يتطلب جهداً أكبر.
قبل الهجوم الياباني على بيرل هاربور، كان دخول الولايات المتحدة الحرب أبعد من أن يكون حتمياً، وبينما كان المؤيدون للتدخل يدعون بصوت عالٍ إلى الدعم العسكري الصريح للحلفاء المحاصرين، وتوقعوا أن عدم القيام بذلك سيجلب الحرب إلى عتبة أميركا، طالبت كتلة قوية من الانعزاليين الأمة بالبقاء خارج الصراع، محذرة بفظاظة من تكرار الحرب العالمية الأولى.
وفي البداية، لم تكن معركة بيرل هاربور تبدو وكأنها توحد هؤلاء الأميركيين المنقسمين لدعم المجهود الحربي، لكن موجة الوحدة أخفت الانقسامات المستمرة، طوال معظم عام 1942، وجدت الاستطلاعات الحكومية السرية أن قرابة ثلث البلاد يحبذ فكرة إجراء محادثات سلام مع ألمانيا، وبعد مرور عامين، أظهرت دراسة للمعهد الأميركي للرأي العام أن 66% من المشاركين، يعتقدون أن معظم مواطنيهم لا يأخذون جهود الحرب على محمل الجد.
وبعبارة أخرى، لم يتلاش الانقسام المرير ما قبل الحرب بين مؤيدي التدخل ومعارضيه إلى الأبد في 7 ديسمبر 1941، وبدلاً من ذلك، ظهر مجدداً بصورة أكثر دهاءً، حيث شككت أقلية من أحد الجانبين في الحاجة للمجهود الحربي، بينما شعر آخرون من الجانب الآخر بالإحباط جراء عدم الالتزام من هذه الأقلية.
وقاوم بعض الجمهور قيادة الحكومة في زمن الحرب، وكانت أقلية كبيرة تلعن الرئيس فرانكلين روزفلت، وسواء اعتبروا سياسات «الصفقة الجديدة» فاشية أو كانوا اعتقدوا أنها تلاعب بالبلاد، فقد احتقر العديد من هؤلاء النقاد القائد العام.
لكن عندما طلبت الحكومة مزيداً من الجمهور مع تحول الأمة إلى الاستعداد الشامل للحرب، لم يكن تحدي إملاءات الحكومة أمراً نادراً عبر الحدود الأيديولوجية، وتم تجاهل النداءات المبكرة لجمع الخردة لاستخدامها في إنتاج الذخائر، وواجه ترشيد الحكومة للوقود والمواد الغذائية الأساسية السوق السوداء.
وكانت هناك أيضاً مسألة مبيعات سندات الحرب، وكان من الواضح أن المجهود الحربي الأميركي سيحتاج إلى أكبر النفقات في تاريخ الأمة، ولدعمه، أطلقت وزارة الخزانة برنامجاً تطالب فيه المواطنين العاديين بشراء سندات الحرب مقابل 18.75 دولار، مع وعد باستردادها بقيمة 25 دولار بعد عشر سنوات، وكانت هناك مشكلتان: لم تكن قوة مبيعات الخزانة تفسر الحاجة الملحة لشراء سندات الحرب بشكل كافٍ، وفي الوقت نفسه، كان الكثير من الأميركيين مترددين في التضحية بما لديهم من مال قليل عقب الكساد، وبحلول منتصف سبتمبر، كان المجهود الحربي نفسه يتأرجح على الحافة، لأن الجمهور لم يساهم مالياً.
وبدءاً من نهاية 1942 حتى نهاية الحرب، أطلقت الخزانة سلسلة من سندات الحرب الشاملة، وقامت بتملق وترهيب المواطنين بكل الوسائل، كجزء من حملة دعائية أكبر بكثير، ونجحت هذه الحملة في جلب الجمهور، وارتفعت مشتريات سندات الحرب. ووصلت جهود جمع الخردة المعدنية إلى الذروة، وبدأ الأميركيون زراعة 20 مليون حديقة لتوفير الغذاء لمجتمعاتهم، وضمان توفير إنتاج زراعي لإمداد الجيش.
وبينما لعبت الوطنية الأميركية والحماس في زمن الحرب أدواراً مهمة في هذه النجاحات، كانت القيادة الفعالة لإدارة روزفلت، خاصة حملاتها الخطابية، هي التي ضمنت عمليات الشراء، وساهمت هذه الجهود الحكومية في الانتصار في الحرب، من خلال شرحها للأميركيين ما هو مطلوب وما أهميته.
واليوم، مطلوب جهد مماثل، إن إقناع الأميركيين بالتضحية من أجل الخير الأكبر المتمثل في القضاء على كورونا، سيتطلب أكثر مما كانت الحرب العالمية الثانية تتطلبه لتحفيز العمل، وللقيام بذلك، على إدارة ترامب اعتماد رسائل واضحة ومتسقة قدر الإمكان لتشجيع الأميركيين على اتخاذ الخطوات اللازمة لإبطاء انتشار الفيروس.
واليوم، يمكن الوصول للأميركيين عن طريق الرسائل الإلكترونية أكثر من جيل الحرب العالمية الثانية، وأحد الدروس الرئيسية المستفادة من تلك الحرب، هو استغلال القوة الكاملة لموارد الحكومة المقنعة لتعبئة الجبهة الداخلية وكسب الحرب.

*أستاذ الاتصالات والفنون في جامعة «سيتون هول» -نيوجيرسي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»