شعار في وقته، ومعاهدة مجتمعية، وحملة توعوية صادقة، وكلمة مفعمة بقيم المسؤولية والانتماء والولاء للوطن، والتعاون مع جميع أفراده؛ إذ في وقت الشدائد والأزمات تعلو المبادئ الحضارية، والمواقف البطولية، وتتسيد تلك الأخلاق التي تُميز الرجال ومعادنها، والمجتمعات وأصالتها، والدول وتقدمها.
فعندما تتجلى المسؤولية الوطنية في أفراد الوطن وأبنائه؛ فإنها تنسج فيهم عاطفة جيَّاشة، تهب بمشاعر الفتوة في أنفسهم، كلما لاحت بوارق أيّ أزمة، أو انطبعت مخائل التحديات في آفاق محيطهم، فتراهم في مواجهة الأزمات كرجلٍ واحدٍ، يستقبلون ما يُلقى على كواهلهم من إجراءات احترازية بإرادة صلبة، وعزم ثابت لا يلين، يتآزرون مع جهاتهم الرسمية، ويتعاونون معها في كل عمل ينتُج عنه الخير والنفع لمجتمعهم.
فشعار «ملتزمون يا وطن» الذي يتصدر المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي في دولة الإمارات وبين أبنائها، يقتضي منا الالتزام بالتعليمات الحكومية، والتقيد بالتوجيهات الطبية والوقائية، الصادرة عن الجهات الرسمية في الدولة، وتجنب نشر الإشاعات والحقائق المزيفة، والالتزام بالأخلاقيات وآداب هذه المرحلة الحرجة، فلا جشع ولا طمع ولا استغلال ولا أنانية، فالإنسانية في مثل هذه الأزمات تحتاج منا أن نكون في قمة الإيثار والتعاون والرحمة، لأن استجابتنا لهذا الشعار ومقتضياته الإنسانية والقانونية، تَعبُر بنا جميعاً إلى برّ السلام والخير لنا ولأوطاننا ومجتمعاتنا.
إن التعاون على سلامة الوطن ومن يعيش على ترابه؛ فريضة شرعية، وضرورة وطنية، فالالتزام الوطني الذي تُحدد ماهيّته الظروف والأحوال، وترسمه مؤسسات رسمية في الدولة وَفق أولوياتها؛ واجب مقدس، يستوجب أن يُقابل بالترحاب الطوعي والإلزامي من جميع الأطياف، ثم يمتدُّ شيئًا فشيئًا إلى أن يأخذ بمجامع أطراف السلوك الإنساني في المجتمع، ويغدو فيه على كيفية متجذرة، يحول من دون أيّ انفعال يأتي ضده في حاضر الأيام ومستقبلها، بصرف النظر عن إدراك المراد من التعليمات وعدمِه، إذ يجب أن يكون لسان حال الجميع في مقابلة التوجيهات الرسمية في هذه الظروف الاستثنائية هو قولهم: ملتزمون يا وطن، (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [البقرة: 285]:
فما دامَ أمرٌ للمحاذير راهنا فمن عادة الأخيار درء المخاطر
وإن كان فرضاً أن تتم طوارئٌ فليس لنا غيرُ التزامِ الأوامر
إن الأخذ بتعليمات الحكومة الرشيدة من تأدية أمور أو اجتنابها في وقت الأزمات؛ إنما هو عمل حضاري تتبدَّى من خلاله قوة الوعي المجتمعي الذي متى ما بلغ كماله؛ سهل على المجتمع كل صعب، وتلاشى أمامه كل خطب، وعيٌ بالواجب وتأديته في وقته، ووفق ظرفه ومقتضيات محدداته. وعيٌ تصان به المكتسبات، وتحفظ معه الأرواح، وتستبقى من خلاله الصحة، وترادف النعمة.
وكل ذلك الالتزام يأتي انطلاقًا من رعاية مقاصد الدين الحنيف، فلم يهمل الإسلام الأخذ بالأسباب، والإقرار بمسبباتها، إذ أمر بكل ما هو جالب للخير، ونهى عن مقاربة كل باعث للشر، فمن توكل على الله جل في علاه، ثم تعاطى أسباب منفعته فقد بلغ في الأمر منتهاه. ومثال ذلك ما يفرضه الالتزام الوطني من تقيد كل فرد في المجتمع بالتعليمات الصحية الواردة من الجهات المختصة، فذلك الالتزام من قبيل إتيان الأسباب التي أمر الإسلام بالأخذ بها، لما يترتب عليها من أمر تحصين الناس، أو إنقاذهم من شيء فيه إزهاق أرواحهم، وهذا أمر ظاهر لا يحتاج إلى كثير بسط أو استدلال، وليس في ما يتبعه من تقييد العبادات الجماعية أو المباحات العامة حرج، فالله عز وجل قد أذن في ترك بعض الفرائض إذا أدى القيام بها إلى إضرار الإنسان نفسه، فشرع التيمم بدل الوضوء في حالات عديدة، منها: حصول غلبة الظن على حدوث مرض، أو استفحالِه، أو تأخر الشفاء منه حال استخدام الماء للوضوء... فما بالنا فيما هو دون الفرض.
وإذا كان في تعاليم ديننا فسحة ويسر، فلتكن قلوبنا مؤمنة، وأفعالنا ناطقة بالشكر، على ما امتن الله به علينا من قيادة رشيدة تتسابق لسن إجراءات رادعة تحمينا وتُجنبنا هذا الوباء، وواجبنا أن نكون في قمة الإيجابية والتفاؤل والطمأنينة، ونُشعر الآخرين بذلك، ولنكثر من الدعاء والاستغفار ، والصلاة على النبي المختار، فهي من أعظم أسباب الوقاية والثبات، ولنوقن بأن فرج هذه الأزمة قريب وقريب، ولنتذكر دائما قوله تعالى: {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} [الطلاق: 1] حفظ الله أوطاننا والإنسانية من جميع الشرور والمحن والبلايا.
*المدير التنفيذي للشؤون الإسلامية في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.