بالنسبة للعديد من البشر على مدار الكرة الأرضية أصبح الذكاء الصناعي، شيئاً براقاً ولامعاً يمكن إدراكه بالحواس في عالم التكنولوجيا الحديثة وأفقها الواسع.
لكن المسألة ليست بهذه البساطة وتحتاج إلى توضيح «وإن كان مختصراً» لكي يتم تزويد القارئ بمحتوى يساعده على فهم المقصود من مقولة الذكاء الصناعي.
وحقيقة الأمر أن الذكاء الصناعي يتكوّن من مادة علمية ضخمة وآلات تُعلم البشر وعدد من ضروب التكنولوجيا المتقدمة التي تتيح للآلات العمل بطرق يصفها البشر بأنها ذكية، لأنها تقوم بنفس الأشياء التي يمكن للبشر القيام بها في الحياة العادية.
على سبيل المثال أنظروا إلى ما يقوم به تطبيق خرائط جوجل الذي يوصلنا من مكان إلى آخر بإرشاده لنا على خريطة أمامنا على شاشة الهاتف النقال أو أجهزة لوحة تشغيل السيارة، أو الأجهزة والتطبيقات المتعددة التي تساعدنا في الوصول على الطرق البرية أو في عرض البحر بأقصر الطرق وأسهلها.
توجد اليوم العديد من الآلات التي تقوم بأداء مهمات خارقة لا يستطيع البشر العاديون القيام بها بمفردهم بسهولة، كجهاز أمازون المسمى «إي رايلي» الذي يوفّر للمشترين مقترحات بأفضل السلع المطلوب شرائها وأماكن تواجدها حول العالم وأثمانها من أرخصها إلى أغلاها، أو الطابعات ثلاثية الأبعاد التي أضحت تقوم بالعجب العجاب، أو الفئران الصناعية الصغيرة جداً التي يستخدمها الأطباء عن طريق إدخالها في أجسام البشر المرضى للمساعدة في إجراء أدق وأعقد العمليات الجراحية، أو الآلات المبرمجة التي تتمكن وبشكل اعتيادي من هزيمة البشر في لعبة الشطرنج التي كانت لعبة البشر الأذكياء وحدهم.
لقد صارت هذه الآلات تهزم أذكى الأذكياء من أساتذة الشطرنج العالميين. لذلك فإن شركات تكنولوجيا المعلومات، خاصة الكبرى منها بما في ذلك فيس بوك وأبل وأمازون ونيت فليكس وجوجل وبيداو وعلي بابا وغيرها تراهن في ميزانياتها السنوية الضخمة جداً الخاصة بالبحث العلمي والتطوير على ثورة الذكاء الصناعي القادمة.
أهمية الذكاء الصناعي تعود إلى أمرين أساسيين في حياة الأمم والشعوب الحية في عالم اليوم هما الصعيد الاقتصادي والصعيد العسكري - الاستراتيجي - الأمني. لذلك فإن الأمم المتقدمة تنظر إلى المسألة بشمولية ولا تحصرها في الأهمية الاقتصادية وحدها وكسب المال، فنراها، خاصة الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا واليابان وعدد من دول الاتحاد الأوروبي تذهب إلى ما وراء إدراكها بأن هذا التناسب التكنولوجي واعد بأن يصبح الموجه الأكبر للتقدم الاقتصادي على مدى ربع قرن القادم.
بالنسبة لهذه الدول الذكاء الصناعي هو مهمة وطنية كبرى على الصعد استراتيجية - العسكرية - الأمنية - السياسية ضمن الإطار الأعم لحماية الأوطان بما في ذلك الحروب الساخنة والباردة، المرئي منها والخافي.
ربما أن البعض يرى بأن هذا الحديث مبالغ فيه، لكنه حديث يتعلق بالقيم وله مصداقية لدى قادة الدول حول العالم. بعض من هؤلاء قد يعتقدون بأن بلادهم محصنة، ولا يمكن التأثير عليها بسهولة من قبل الذكاء الصناعي، ولكل منهم تبريره، البعض يؤمن بأن بلاده تقود على صعيد الذكاء الصناعي ولا يمكن اللحاق أو الإضرار بها، وآخرون يعتقدون بأن حلفاءهم وشركاءهم وأصدقاءهم في المجتمع الدولي سيساعدوهم عند الضرورة، وفريق ثالث قد يعتقد بأن مثل هذا الخطر غير موجود جملة وتفصيلاً ولا يوجد مبرر للخوف منه.
وبنفس الطريقة العديد من الجهات المسؤولة في الأمن العسكري والوطني للعديد من الدول يصر على أنه في مجال الذكاء الصناعي المسألة مجرد أبحاث اقتصادية وتطوير للصناعة الاستهلاكية ليس إلا ولا يوجد خطر حقيقي مستقبلي على دولهم وأمنها الوطني.
كلا هاتين النظرتين خاطئة ومبتسرة لأن الحقيقة تكمن في أن العديد من الدول التي قطعت باعاً طويلاً في مجال الذكاء الصناعي لم تفعل ذلك كتمارين علمية وتدريب للعقول في فراغ خال من أهداف استراتيجية وعسكرية وأمنية إلى جانب أهدافها الاقتصادية، وهي تقف على أهبة الاستعداد لتحقيق مصالحها كافة على الصعيدين الأمني العسكري الاستراتيجي والاقتصادي عن طريق استخدام وسائل الذكاء الصناعي إن لم يكن ذلك اليوم أو غداً، فإن المستقبل كفيل بأن يكشف ذلك، وإن غداً لناظره قريب.
*كاتب إماراتي