لماذا أخذ مخزون الولايات المتحدة من الكمامات الخاصة بالعاملين في قطاع الصحة ينفد؟ وكيف يجد أغنى بلد في العالم نفسه في هذه الفوضى المأساوية والتي يمكن تفاديها؟ وكم من الوقت سيتطلب الأمر من أجل الحصول على ما يكفي من معدات الحماية الطبية إن كان ذلك ممكنا الآن أصلا؟
لقد أمضيتُ الأيام القليلة الماضية في البحث عن إجابات لهذه الأسئلة، لأن نقص معدات الحماية، ولاسيما الكمامات الطبية، صدمني باعتباره إحدى أكثر السخافات إزعاجاً في رد أميركا على هذا الوباء.
أجل كان سيكون من الجيد إجراء اختبارات مبكرة وواسعة لرصد فيروس كورونا، وهي الاستراتيجية التي انتهجتها كوريا الجنوبية من أجل احتواء تفشي الوباء. وسيكون رائعاً إن استطعنا تجنب نفاد مخزون أجهزة التنفس الاصطناعي وفضاءات الاستشفاء، وهي الكارثة التي شهدتها أجزاء من إيطاليا. غير أن أيا من ذلك لا يهم كثيراً إذا كان عمال الصحة لا يستطيعون حتى التواصل مع مرضى فيروس كورونا من دون أن يصابوا بالمرض أيضاً.
وهنا يأتي دور الكمامات الطبية، وواقيات العينين، والقفازات، والعباءات الطبية الرخيصة التي يتم التخلص منها بعد الاستخدام. أن نكون فشلنا في توفير ما يكفي من معدات الحماية للعمال الطبيين — ناهيك عن المرضى والجمهور، مثلما كان سيوصي بذلك بعض خبراء الصحة لو أن مخزون الكمامات لم يكن ضئيلا — يبدو لي إهمالاً كبيراً.
يا لها من طريقة صغيرة ومخزية يمكن أن تسقط بها دولة قوية: بسبب نقص كمامة سعر 75 سنتاً ضاعت البلاد.
يؤسفني أن أقول إن الغوص في أسباب نقص الكمامات لا يخفف من غضب المرء. ذلك أن الجواب على السؤال المتعلق بلماذا أخذ مخزوننا من معدات الحماية الطبية ينفد له علاقة بمجموعة جد أميركية من الأمراض الرأسمالية — صعود وإغراء التصنيع منخفض الكلفة في الخارج، وفشل استراتيجي، على المستوى الوطني وفي قطاع الرعاية الصحية، في التفكير بشكل جدي في نقاط الضعف المتتالية الناجمة عن الحوافز لتقليص التكاليف.
ربما الطريقة الوحيدة لمعالجة العجز الآن هي الاعتراف بأن السوق معطل، وجعل الحكومة تتدخل فوراً من أجل تحفيز الإنتاج الداخلي والعالمي. ولكن الرئيس دونالد ترامب قاوم على نحو غريب أمر الشركات بإنتاج إمدادات ومعدات أكثر. وفيما يخص الكمامات، يقول المصنّعون إنهم يفعلون المستحيل لزيادة الإنتاج، كما تبرعت بعض الشركات الكبرى بملايين الكمامات من مخزوناتها.
ولكن بالنظر إلى الحاجة العالمية الكبيرة جداً للكمامات — في الولايات المتحدة لوحدها، ستستهلك محاربة فيروس كورونا 3.5 مليار كمامة، وفق تقديرات لوزارة الصحة والخدمات الإنسانية — لن يكون كرم الشركات كافيا لتلبية الطلب الكبير والمتزايد. ويقول الأشخاص العاملون في قطاع صناعة الكمامات إن زيادة الإنتاج بشكل مهم سيستغرق بضعة شهور، على أقل تقدير.
ويقول غيوم لافيردير، مدير العمليات في «ميديكوم»، وهي شركة كندية تصنع الكمامات ومعدات حماية طبية أخرى في مصانع عبر العالم: «إننا نشتغل بطاقتنا الكاملة الآن، وزيادة الإنتاج عبر إنشاء مصنع آخر أو التوسع أكثر ستستغرق ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر».
في الوقت الذي بدأ فيه فيروس كورونا الانتشار في الصين في وقت مبكر من هذا العام، بدأ يبدو أن نقصاً عالمياً في معدات الحماية أمر لا مناص منه. ولكن بحلول ذلك الوقت، كان الأوان قد فات لكي تفعل الحكومة الأميركية شيئاً بشأن هذه المشكلة. والحال أنه قبل عقدين فقط، كانت معظم معدات الحماية تصنع محليا. ولكن وعلى غرار معظم الملابس والمنتجات الاستهلاكية، انتقلت صناعة الكمامات الطبية بشكل كامل تقريباً منذ ذلك الوقت إلى الخارج. وقال لافيردير: «إن الصين تنتج 80 في المئة من الكمامات على الصعيد العالمي».
في يناير الماضي، بدأت سلسلة الإمدادات الهشة تنوء تحت الضغط. وللتعاطي مع انتشار الوباء الذي كانت تواجهه، بدأت الصين تضع بعض القيود على صادرات معدات الحماية الطبية. ثم حذت حذوها بلدان أخرى — إذ اتخذت تايوان وألمانيا وفرنسا والهند خطوات لوقف صادرات المعدات الطبية. وهو ما جعل المستشفيات الأميركية تطلب مزيداً ومزيداً من الكمامات من منتجين آخذين في التناقص.
أشخاص في القطاع سعوا لطمأنتي بأنهم سيكونون أحسن استعداداً في المرة المقبلة. وأنا لا أشك في ذلك. ولكن أننا لم نستعد، كبلد، لهذا النقص المتوقع جداً في الكمامات يجعلني أتساءل حول ما هي الحفر الأخرى التي تتربص بنا لنتعثر مستقبلاً. فالحصول على معدات كماية طبية كافية كان من بين أرخص وأكثر الأشياء فعالية التي كان يمكننا القيام بها لإبطاء الوباء. وكوننا فشلنا في مثل هذا الشيء البديهي إنما يكشف عن عجز وطني مقلق في تخيل الأسوء والاستعداد له.
لا شك أنه ستكون لدينا كمامات كافية في الوقت المناسب من أجل الكارثة المقبلة. ولكن ألم يكن من الجيد، ولو لمرة، لو أننا استعددنا للمشكلة قبل أن تضربنا؟
*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/03/25/opinion/coronavirus-face-mask.html