انتشر رسم يعبّر عن خطورة التقارب البشري في هذا الوقت العصيب الذي يجتاح فيه فيروس كورونا الكرة الأرضية، والرسم عبارة عن أعواد ثقاب مرصوصة جنباً إلى جنب، نصفها مشتعل الواحد تلو الآخر، ونصفها الآخر لم يشتعل بعد، بفضل عود يفصل بين المجموعتين آثر الابتعاد قليلاً عن العود المشتعل الذي يسبقه، كاتباً بذلك مصيراً مختلفاً لنفسه وللأعواد التي تليه.
التباعد الاجتماعي، إذن، هو العامل الحاسم في وقف انتشار هذا الفيروس. وساعة بعد ساعة، تطالعنا الأخبار عن إصدار مختلف الحكومات حول العالم المزيد من القرارات والتعليمات الهادفة إلى تحقيق التباعد البشري، خصوصاً أن الفيروس آخذ في الانتشار بسبب أساسي وحيد، هو الاحتكاك البشري.
وأعتقد أن بعض المجتمعات تحظى بفرص أكبر من مجتمعات أخرى في تطبيق فكرة التباعد الاجتماعي. ولا أقصد بالفرص هنا التعاطي الرسمي من خلال فرض القيود على التواصل البشري، من حيث العمل والتعليم عن بُعد وإغلاق المنشآت والأماكن والمحال العامة وحظر التجول، ولا أقصد أيضاً التزام الأفراد من عدمه بالتباعد، وإنما فرص نجاح التباعد التي تنبع من طبيعة المجتمع نفسه ونمط الحياة فيه.
ويمتاز المجتمع في الإمارات بعوامل نجاح لأسلوب التباعد لا تحظى بها كثير من المجتمعات الأخرى، منها أنه مجتمع متنوّع بشدة من حيث الثقافات. ومن البديهي أن الاحتكاك الاجتماعي المباشر، ولغير أغراض العمل والدراسة، أشدّ ما يكون لدى المتجانسين من حيث اللغة والثقافة، كما في المجتمع الصيني مثلاً.
وللكثافة السكانية القليلة في الإمارات تأثير في إنجاح التباعد البشري، فبينما تبلغ الكثافة السكانية في موناكو نحو 20 ألف نسمة لكل كيلو متر مربع، فهي تبلغ في الإمارات نحو 100 شخص فقط. ويضاف إلى هذا العامل طبيعة المساكن في الإمارات، إذ الكثير منها عبارة عن فلل لا حاجة لأصحابها بالاختلاط مع غيرهم، لدى الدخول والخروج، كما هو الحال في العمارات السكنية.
وتساهم القيم العربية والإسلامية في مجتمع الإمارات، مضافة إليها طبيعة التركيبة السكانية، وقلة الكثافة السكانية، في زيادة المسافة الاجتماعية عند تعامل الناس الغرباء مع بعضهم البعض، من حيث ترك مسافة فيما بينهم، فضلاً عن المسافة الكبيرة المتعارف عليها بين الجنسين.
وتعد الإمارات من أكثر دول العالم استخداماً للهواتف الذكية، وهذه الأجهزة تساهم بشكل فعّال في التقليل من الاحتكاك الفعلي بين البشر، إن من حيث التواصل الاجتماعي فيما بينهم عن بُعد، وإن في تيسير أمورهم اليومية.
ثم نأتي إلى عامل وسائل النقل البرية، كالسيارات والحافلات والقطارات، إذ تعد القطارات أكثر وسائل النقل التي تزداد فيها فرص الاحتكاك البشري، وهي قليلة في الإمارات، على عكس الكثير من الدول التي تعد فيها القطارات وسيلة التنقل الأولى لعدد كبير من الناس.
كل هذه العوامل ذاتية في مجتمع الإمارات، ولا علاقة لها بالوضع الذي فرضه كورونا، وهي تساهم بشكل كبير في إنجاح فكرة التباعد الاجتماعي الذي يوقف انتشار هذا الفيروس؛ بمعنى أنه لدينا الكثير من أنواع عود الثقاب الذي يقطع سلسلة الاشتعال، فإذا ما التزمنا جميعاً بالتعليمات والتوجيهات الصادرة من الدولة، فسنتجاوز‏? ?هذه? ?الأزمة? ?العالمية? ?بأقل? ?الخسائر،? ?بإذن? ?الله تعالى.?

*كاتب إماراتي