هناك تسوناميان عاتيان يجتاحان البشرية بأكملها: التسونامي الصحي والتسونامي الاقتصادي. بالنسبة للتسونامي الأول فقد بدأت معالجته بتطبيق عبارة «ابقوا في منازلكم» في جل دول العالم. وقد باتت هذه العبارة تشكل اليوم دعوة ملحة وجدية لملايين البشر في مختلف أنحاء العالم، كونها الحل الأنجع لمنع انتشار فيروس كورونا الذي أودى بحياة أكثر من 9000 شخص إلى حدود كتابة هذه الأسطر، أزيد من نصفهم خارج الصين، خاصة في إيطاليا التي باتت أكبر بؤرة لانتشار الفيروس في أوروبا، وفيها أعلى حصيلة للوفيات الناجمة عن الفيروس، وهو ما فسره العلماء بعدة عوامل، أبرزها متوسط الأعمار والنظام الصحي وسياسة إحصاء المصابين والوفيات.
ونلاحظ أن معدل وفيات أعلى بكثير في الدول التي تعتبر شعوبها أكبر سناً، منه في الدول الأكثر شباباً. وأشارت إحدى الباحثات في جامعة أوكسفورد السيدة جنيفر داود في دراسة نشرتها على الموقع الإلكتروني للمنتدى الاقتصادي العالمي، إلى «ترابط قوي بين الديموغرافيا ومعدل الوفيات في ما يتعلق بكوفيد-19». ودعت إلى الأخذ بتدابير الابتعاد الاجتماعي الرامية إلى إبطاء انتشار الفيروس، وحذرت من خطورة الفيروس على المسنين.
ومن هنا نفهم ما يجري في إيطاليا، حيث عامل الشيخوخة، فعلمياً تظهر أشد الأعراض لدى المسنين والأشخاص الذين يعانون أمراضاً، وبالتالي فمن المنطقي أن يكون عدد الوفيات بين المصابين به أعلى في إيطاليا منه في دول أخرى، إذ إن سكان هذا البلد هم الأكثر تقدماً في السن بعد اليابان.
وهناك أيضاً عامل العائلة الكبيرة التي تعتبر في إيطاليا من دعائم المجتمع، فالجدود يجلبون أحفادهم من المدرسة ويحرسونهم ويقومون بالتبضع لأولادهم، معرضين أنفسهم للعدوى. والظاهر أن الوباء باغت إيطاليا من غير أن يتسنى له اتخاذ استعدادات لمواجهته، خلافاً لبعض الدول، فسرعان ما استنفدت المستشفيات قدراتها، واضطر الأطباء لخيارات صعبة بين المرضى الذين هم أولى بالعلاج.
ومن جانب آخر، فإن عبارة «ابقوا في منازلكم»، وإن كانت تنقذ حياة البشر، فإنها لا تنقذ الاقتصاد، بل ستأتي منها الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت تفتح أبوابها ونوافذها للجميع منذرةً بأشهر عجاف على الكل. فقد دفع كورونا أسواق المال في أوروبا للتراجع، وبنسب تخطت 10%، في حين تم تعليق المداولات في بورصة وولستريت بنيويورك لمدة 15 دقيقة بعد تراجعها بنسبة تفوق 7%. وأصدرت المفوضية الأوروبية بياناً قالت فيه إنها صادقت على خطة فرنسية تقضي بتأمين قروض للشركات بمبلغ 300 مليار يورو بغية التصدي للآثار الاقتصادية لكورونا. وورد في بيان المفوضية أنه تمت المصادقة على هذا الدعم من الدولة الفرنسية «بمقتضى الإطار الجديد المؤقت لمساعدات الدولة» الذي يضفي مرونة على قواعد الاتحاد الأوروبي بهدف مواجهة التداعيات الاقتصادية للوباء. وأشار وزير المال الفرنسي برونو لومير إلى أن الضمانة الفرنسية التي أعلنها الرئيس ماكرون يوم 16 مارس تشمل «جميع القروض المصرفية». وأضاف أن هذا الإجراء «يهدف إلى ضمان الحفاظ على سيولة الشركات». وقالت المفوضية في بيانها إن «التدابير الفرنسية.. مطابقة للشروط الواردة في الإطار المؤقت»، لأنها «توفر ضمانات لقروض قيمتها وفترتها محدودتان».
والمؤكد أن هذين التسوناميين سيتركان تداعيات جسيمة على حياة البشر واقتصاديات العالم، وستتغير أمور كثيرة فيما بعدهما، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وطبياً.. وستصبح الصحة والاستثمار فيها من أولويات الدول، وستتغير علاقات الدول فيما بينها وعلاقة الأفراد بالمجتمعات وبالطبيعة ونوعية العلاقات داخل المجال السياسي العام.


*أكاديمي مغربي