إعصار كورونا مستمر، بل إنه لم يبلغ بعد أقصى زخمه، لذلك تحاول الحكومات بث شيء من التفاؤل والطمأنينة، الكلّ يراقب تجربة الصين ومدى ثبات فرملتها للوباء، من دون أن تجازف بتأكيد أنها قضت عليه، بعد تردّد قصير لم تجد إيطاليا وإسبانيا وفرنسا مفراً من التمثّل بنموذج الحجر الصيني، فالتقديرات العلمية لتفشّي الفيروس، حتى ولو لم تكن أرقامها مخيفةً في البداية، لا تلبث أن تصبح صادمة بين يوم وآخر، وبعد تردّد أطول، اضطرّت الولايات المتحدة وبريطانيا لاتخاذ الإجراءات القاسية في ما يخصّ المدارس ووسائل النقل، وإلزام الناس بعدم الخروج إلا للضرورة القصوى، وكانت لندن قد راهنت لفترة على تكتيك «مناعة القطيع»، فاعتقد خبراء أن العدوى تعالج العدوى متى انتشرت، لكن تبدّى أنه رهان مكلف بالأرواح، والأخطر بل الأبشع أنه بدا كما لو أن الحكومة لا تمانع في موت عشرات الألوف.. «لإنقاذ الآخرين»!
لم تعد هناك سوى رحلات جوية وبحرية قليلة لأغراض التجارة، أو تمكيناً لآخر العائدين إلى ديارهم بعدما تقطّعت بهم السبل، يتّجه العالم أكثر فأكثر إلى حال شلل عام، علّه بذلك يستطيع كبح جماح الفيروس القاتل، تشدّد الحكومات احتياطاتها على سبيل التحوّط، إقفال حدود وعزل سكان ومناطق وإغلاق مؤسسات.. لكنها لا تعرف يقيناً مدى نجاعتها في تحقيق الهدف المنشود، فأقصى أمانيها أن تتمكّن من وقف عدّاد الإصابات والوفيات، وأن تُقلّص الخسائر والأضرار، ومع ذلك تفضّل تنبيه مواطنيها إلى أن الأصعب لم يأت بعد، وتريدهم أن يقلقوا لا أن يهلعوا، فالكابوس الأكبر في أي مكان يتمثّل في وقوع المنظومات الصحية، في حال العجز عن مواجهة ازدياد عدد المصابين في المراحل الحرجة لاستفحال الفيروس، ويبدو أن حالات كهذه حصلت في بعض بؤر الوباء في إيطاليا وإسبانيا وايران، مستبقةً الإجراءات الحكومية أو وصول التجهيزات الطبية اللازمة والكافية.
في غضون ذلك، يتركّز السباق اليائس على بصيص أمل، سواء من لقاح قديم استخدم ضد الملاريا، أو من تنافس محموم للتوصّل إلى لقاح جديد غير متوقّع قبل الخريف المقبل أو قبل سنة وأكثر، وسط منافسات تجارية ساخنة، وتساؤلات عما إذا كانت الصين ستتوصّل إلى لقاحها الذي تقول إن اختباراته أصبحت في مرحلة متقدمة، وفي الوقت نفسه لم ينقطع الرهان على أن تفلح حرارة الصيف في قتل الفيروس أو على الأقل خفض انتشاره وإضعاف زخم أذاه، ورغم أن الاختصاصيين لا يعوّلون على هذه الفرضية، مستندين إلى أبحاث أظهرت طبيعةً متقلّبة للفيروس، فإن الاحتمال يبقى قائماً إلى أن يُختبر، فالصيف وحرّه لم يحلّا بعد، بل يتعجلهما السكان في كل أرجاء الأرض أكثر من أي سنة سابقة.
ورغم أن الأزمات السياسية استمرّت على حالها، فإن المرحلة «الكورونية» فرضت عليها شيئاً من الجمود، مفسحةً المجال لبعض الاستغلالات السياسية للوباء، صحيح أن بكين وطهران أطلقتا بشكل عشوائي إشارات إلى «حرب بيولوجية» (أميركية) شُنّت ضدهما لدوافع مختلفة، إلا أن «نظرية المؤامرة» هذه لم تعش طويلاً، لا سيما أن الفيروس انتشر في الولايات المتحدة ودول حليفة لها، فهل يكون كورونا إرهاصاً لما يمكن أن تكون عليه أي حرب بيولوجية؟!

*محلل سياسي- لندن