يلعب الطرفان الروسي والتركي في الساحة السورية لعبة معقدة وقاسية، وهما يرسمان خارطة مصالحهما الاستراتيجية ويستعرضان استعدادهما للدفاع عنها على الطاولة الدبلوماسية وبقوة السلاح، رغم تجميد الصراع في أدلب عبر تفاهمات هشة. وما يزال التساؤل المطروح: متى تصطدم المصالح الروسية مع المصالح التركية في سوريا؟ تجمع كافة التحليلات على براعة الطرفين على تأجيل المواجهة الحتمية. وتشكل معضلة إدلب منطقة تماس حتمي لصراع النفوذ الروسي التركي، حيث تواجه علاقات الجانبين اختباراً على الساحة السورية وعلى الساحة الليبية كساحتين للتنافس وتضارب المصالح. فكيف تؤثر التطورات العسكرية في إدلب وأرياف حلب على الصراع السوري؟ وماهي انعكاساتها على العلاقات التركية الروسية؟
اعتبرت تركيا أن الهجوم السوري المدعوم روسياً على إدلب ريف حلب تهديداً للأمن القومي التركي، فيما رأت روسيا أن تركيا لم تلتزم باتفاق سوتشي الذي يلزمها بتفكيك التنظيمات الإرهابية الموالية لها وتسليم الطرق الدولية للنظام السوري. خاصة بعد أن أعلنت تركيا في الأول من مارس إطلاق «عملية درع الربيع» في إدلب ضد القوات الحكومية السورية. وشهد الموقف توتراً كبيراً إثر مقتل 36 عنصراً من القوات التركية بغارة للجيش السوري، حيث سارعت تركيا بنشر آلاف الجنود والمركبات العسكرية لوقف تقدم القوات السورية، مما أدى لنزوح مليون شخص نحو الحدود التركية. وبدا أن التعاون التركي الروسي تصدع إثر هذه الأزمة وتبادل الطرفان الاتهامات بخرق اتفاق سوتشي القاضي بإنشاء منطقة عازلة في إدلب. لكن وزير الدفاع التركي اعتبر أن أنقرة لا تملك «لا النية ولا الرغبة في الدخول بمواجهة مع روسيا». وفي 5 مارس الجاري توصل الرئيسان الروسي والتركي إلى حزمة قرارات لمنع التوتر في إدلب، تشمل إعلان وقف إطلاق النار في المنطقة، وفتح ممر آمن في مساحات محددة.. ونزع الاتفاق فتيل أزمة متصاعدة بين أنقرة وموسكو. وتمحورت التفاهمات الروسية التركية حول نقاط استراتيجية تمتد إلى ما هو أبعد من إدلب، إذ تقع الطرق الدولية في المنطقة في صلب أهداف المعارك بين القوات السورية وحلفائها والقوات التركية والميليشيات الموالية لها، خاصة المناطق التي سبق أن تم التفاهم عليها عبر اتفاق سوتشي في سبتمبر 2018، حيث تضمن الاتفاق إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب. وورد ضمن بنود الاتفاق «استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين ام4 (حلب -اللاذقية)، وام5 (حلب -حماة) بحلول نهاية 2018. وكان الجيش السوري قد فرض سيطرته على ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي المجاور، حيث يمر طريق «ام 5» الدولي، فارضاً سيطرته على عدة بلدات وقرى. ويشكل الطريق أهمية استراتيجية إذ يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق، ويعبر مدناً رئيسية في حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
من الواضح ان دمشق تريد السيطرة على المواقع الاستراتيجية في إدلب ولن يضرها في الوقت ذاته أن يصبح سكانها (والذين تعتبرهم أعداء أصلا) مشكلة على كاهل تركيا التي تطالب بإنشاء منطقة آمنة هناك.
اليوم، وعشية دخول الحرب في سوريا عامها العاشر، تنحسر مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في شمال غرب سوريا، حيث خسرت هذه المعارضة أكثر من 90? من الأراضي التي سيطرت عليها في بداية الحرب. ويبدو أن التفاهمات الروسية التركية لا تصب في مصلحة المعارضة السورية المدعومة من أنقرة.
لقد جمد الاتفاق الروسي التركي التصعيد في إدلب، لكنه لم يمهد الطريق للتسوية النهائية. وفي انتظار الحسم، خسرت المعارضة السورية معركتها الأخيرة في إدلب.

*كاتبة إماراتية