منذ بداية انتشار فيروس كورونا عبر العالم في ديسمبر 2019، كانت الصين، ثم كوريا الجنوبية، بلدي الخط الأمامي اللذين اضطرا لتبني إجراءات جذرية لاحتواء تفشيه، ووفق أحدث التقارير، فإن كلا البلدين قلّصا عدد الإصابات الجديدة، ويبديان تفاؤلاً حذراً بأن تكون أسوأ السيناريوهات قد باتت وراءهما الآن.
لكن هذا لا يحدث في أوروبا والولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن يزداد انتشار الفيروس. وبالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، أصبحت إيطاليا، التي تعرف أكبر انتشار لحالات الإصابة بالفيروس في أوروبا، حالة الاختبار بخصوص كيف سيدير الآخرون أزماتهم المحتملة خلال الأيام والأسابيع المقبلة.
الحكومة الإيطالية فرضت حجْراً صحياً عاماً على كل حركة في عموم البلاد، بعد أن اقتصر الحظر في البداية على شمال البلاد الذي يضم المركز المالي في مدينة ميلانو، ولأن إيطاليا بلد ديمقراطي، فإنها حتى الآن غير مستعدة وغير قادرة على فرض طرق الحجر الصحي التي استخدمتها بلدان أخرى من أجل احتواء التفشي الضخم للمرض، وعملياً، يعني هذا أنه لا توجد حتى الآن حواجز مادية أمام الحركة، وإنما مجرد دعوة من الحكومة لمواطنيها لعدم مغادرة بيوتهم سوى في الظروف الاستثنائية.
ومن المبكر جداً، الجزم بشأن ما إن كانت التدابير الإيطالية ستنجح في إبطاء تفشي الفيروس، لكن الواضح الآن هو أن الطلب على خدمات النظام الصحي كبير جداً وقد يزداد أكثر، ولأن ازدياد حالات الإصابة بالفيروس يتطلب عزلاً وعلاجاً في المستشفى، فإن قدرة النظام الصحي على التعاطي مع حالات طوارئ طبية أخرى، مثل السكتات الدماغية والمشاكل القلبية وإصابات العظام.. ستصبح محدودة. وكانت ثمة احتجاجات عنيفة بخصوص محنة السجناء المكدسين في زنازين وعنابر مكتظة، والذين لا تستطيع أسرهم زيارتهم.
ومن جهة أخرى، فإن إغلاق البلاد كلها، بما في ذلك المصانع، ومنع الاجتماعات وحياة المقهى الإيطالية ذات الشعبية الواسعة، سيكون له تأثير جدي طويل المدى على الاقتصاد، والواقع أنه قد توقفت شحنات قطع السيارات الموجهة إلى ألمانيا، ما تسبب في توقف المصانع الألمانية عن الإنتاج، كما أن التأثير على القطاع السياحي ذي الأهمية البالغة في إيطاليا كان مدمراً، حيث باتت مدن مثل البندقية وفلورنسا وروما تعاني كثيراً.
والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة الآن هو: متى ستعلن إيطاليا رسمياً سقوط اقتصادها في ركود؟ وإلى متى سيظل على تلك الحال؟
وفي الأثناء، تستعد كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا للفيروس، وتتوقع أن يكون له تأثير مماثل على مجتمعاتها، لكن الخبر السار هو أن الحكومات الأوروبية باتت الآن مدركة لما يتعين عليها فعله، وإذا كان كل بلد يواجه تحدياته الخاصة الفريدة، فإنه قد يتوفر لمواطنيه من يكفي من مؤشرات حول الطبيعة الجدية لتفشي الفيروس في أرجائه.
وفي الولايات المتحدة، وبعد بداية مترددة ومشككة على نحو استثنائي، بدأت إدارة ترامب أيضاً مواجهة واقع الأزمة، بل إن ترامب نفسه بات يعترف بأن الاقتصاد والخدمات الصحية الأميركية ستتعرض للاختبار حتى أقصى الحدود، وهذا بات يشمل الآن التهديد المحدِق بقطاع الطاقة الأميركي، الذي أصبح تحت ضغط هائل بسبب التباطؤ الاقتصادي وتهاوي أسعار النفط، بسبب الخلاف بين المنتجين، واحتمال أن يقوم كبارهم بزيادة إنتاج النفط، ما يؤدي بالتالي إلى خفض سعر الخام.
وعليه، فإذا لم يستطع ترامب إظهار استعداده للسماح للمهنيين في إدارته وفي الولايات المهمة، مثل كاليفورنيا ونيويورك، باتخاذ القرارات المهمة بشأن كيفية التعاطي مع تفشي الفيروس، فإن معدلاته في استطلاعات الرأي ستواصل التراجع، وفي الأثناء، تعرف الإدارة أن الاقتصاد الأميركي سيتعرض لضربة قوية، وتأمل أن يحدث بعض الزخم في اتجاه التعافي قبل الخريف المقبل، من أجل تلافي هزيمة في انتخابات نوفمبر الرئاسية.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست»