وقت كتابة هذه السطور كانت أزمة فيروس كورونا الذي ازعج العالم أيما إزعاج لا تزال قائمة، ومع ظهور السطور للنور ربما تكون الأزمة قد استفحلت بزيادة أعداد المصابين حول العالم، وقد تكون المعجزة في طريقها إلى الحل عبر اكتشاف الأمصال اللازمة لمواجهة الوباء الأشد هولاً منذ وباء الكوليرا الذي ضرب البشرية في أوائل القرن العشرين.
والشاهد أنه مهما يكن من شأن قادم الأيام، فإن فكرة الأزمة التي تعيشها البشرية اليوم، قد ذكرت الجميع باللغة الصينية، وربما هذا من مصادفات القدر الغريبة، حيث إن الإشكالية نشأت في الصين أول الأمر، ثم انتقلت تالياً إلى بقية بقاع وأصقاع الدنيا.
في اللغة الصينية التي ترسم بالأشكال، تعني كلمة الأزمة (فرصة أو خطر)، وعلى المرء أن يختار ما الذي يريده لنفسه، وهل يفضل البقاء في دائرة الخطر المهلك، أم أن يسعى عبر الفرصة المتاحة لاستغلال المشهد، بمعنى أن يفعل ما يستطيع ليقلص الخسائر ويعظم المنافع والأرباح.
ما رأيناه في الصين مثير حقاً، إذ لم يذهب الصينيون في طريق البكائيات، ومعلقات الرثاء، وقد تركوا عنهم النواح واللوعة، ومضوا في طريق التحدي، عبر بناء مستشفيات عملاقة في أيام معدودات، واستنفار الجهود الذاتية لمواجهة الخطب الجلل، وتوفير وسائل الإعاشة للمناطق المصابة مثل محافظة «ووهان» رغم ملايينها العديدة.
نظر الصينيون إلى أزمة كورونا نظرة مثيرة تبدأ من عند فوائدها في تنقية الهواء والأجواء الصينية من التلوث، ومن ناحية ثانية تفاعلوا معها انطلاقاً من أنها فرصة رائعة لتعزيز عملية البحث العلمي في الصين، وطاقة مفتوحة على معرفة أحوال ومسارات الفيروسات التي تهدد الصين والصينيين اليوم وفي الغد.
أجمل ما في الدروس التي أفرزتها أزمة فيروس كورونا رغم الألم والخوف أنها أعادت تذكير البشر بأنهم جنس واحد، يعيشون على كوكب واحد، ولعله من عجائب الأقدار مرة أخرى أن يضرب الفيروس العالم في الذكرى الخامسة لإصدار البابا فرنسيس رسالته الشهيرة «كن مسبحا»، والتي تتناول إشكالية التغيرات الإيكولوجية وما تتعرض له البشرية من مخاطر تغير المناخ وظهور الأمراض والأوبئة على الإنسانية برمتها.
جاء كورونا ليضع البشرية أمام حقيقة مقطوع بها وهي أن مصيرها بات واحدا، لا سيما في ظل القرية الكونية التي نعيش عليها، والتي خبر عنها عالم الاجتماع الكندي الشهير «مارشال ماكلوهان»، في ستينات القرن المنصرم، وها هي الآن تتحول إلى حارة بشرية، أصغر بكثير من القرية، لكن آفة حارتنا النسيان بحسب تعبير أديب نوبل نجيب محفوظ.
يمكن لكورونا أن تجعل العقلاء يقيمون الجسور لمواجهة الخطر المحدق بالجميع عوضا عن جدران البراجماتية التي لن توفر أحدا من الخطر، ويمكن للوباء أن يجعل الخليقة من جديد أسرة واحدة ساعية في طريق قارب النجاة معا ومن دون محاصصة عرقية.
الخلاصة: الجسور أنفع وأرفع من الجدران.
*كاتب مصري