بعد أن أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أنه يريد أن يرى تأثير تغير المناخ بنفسه، ذهب إلى سفوح جبل «مونت بلانك» ليشاهد بنفسه تقلص الأنهار الجليدية هناك. وفي رحلة إلى جبال الألب في فرنسا، سار عبر نفق يمر بعمق داخل الجليد، وتناول الغداء مع سياسيين وعلماء محليين. وللزيارة التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة في 13 فبراير، جانب سياسي مهم. فهناك ثورة خضراء تكتسب زخماً في فرنسا، وبقاء ماكرون السياسي- وهو أمر ليس مؤكداً بالفعل بسبب الغضب واسع النطاق من خططه الإصلاحية- يعتمد على الفوز بأصوات «أنصار البيئة».
فقد قلب تمزق أحزاب التيار الرئيسي السياسة التقليدية رأساً على عقب، على امتداد أوروبا، وفتح نافذة لجماعات الخضر. ففي النمسا، لجأ حزب «الشعب» اليميني إلى «الخضر» لتشكيل ائتلاف. والفصيل البيئي في ألمانيا صعد ليقترب من حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وستوضح جولتان من الانتخابات على منصب رئيس البلدية، بدءاً من 15 مارس، مدى صمود دفاعات الرئيس الفرنسي. ويؤكد «كريستوف بويو» أستاذ العلوم السياسية بمعهد «جرينوبل» للدراسات السياسية، على أهمية انتخابات البلدية لأنها «لعبت دوراً على مدار عقود في قياس شعبية الحكومة وتشكيل أحزاب المعارضة».
والحكومات المحلية ترصد ما قد يشير إلى احتمالات فوز ماكرون بفترة ولاية ثانية عام 2022. فقد نسف ماكرون نظام فرنسا ثنائي الحزب، حين وصل إلى السلطة قبل ما يقرب من ثلاث سنوات، بناء على وعده بنوع جديد من الحياة السياسية. ولقي ماكرون إشادة بسبب سجاله مع الرئيس دونالد ترامب بسبب تغير المناخ، وتعهده بأن «يجعل الكوكب عظيماً من جديد»، لكنه لم يكن عند حسن ظن الجمهور. والآن، أصبحت التوترات داخل حزب «الجمهورية إلى الأمام»،. الذي أسسه ماكرون واضحة للعيان في خلافات وانشقاقات علنية. صحيح أن الاضرابات بسبب عدم المساواة وتعديل نظام للمعاشات ربما تكون هدأت، لكن الغضب مازال حاضراً. فقد أشار استطلاع للرأي، نُشر يوم 25 فبراير، أن نحو ثلثي الناخبين لا يعتقدون أنه رئيس جيد. وفي ظل تردد الاشتراكيين، يقدم «الخضر» فكرة للوسط مفادها أن ماكرون يعمل لمصالحه.
وتبنى «ديفيد بيليار» - مرشح «الخضر» لرئاسة بلدية باريس البالغ من العمر 41 عاماً- نهجاً براجماتياً. وصرح للصحفيين في الأيام القليلة الماضية قائلاً: «أنا أخضر منفتح. منفتح على أنصار الجناح اليميني الذين ينضمون للحركة إذا كانوا يشاركوننا أفكارنا. أنا منفتح لأنها حالة طوارئ». والحزب لم يحصل إلا على عدد قليل من الوزارات في الحكومة الاشتراكية السابقة، ولم يتقدم بمرشح في انتخابات 2017 الرئاسية. لكن «بيلار» متفائل ويرى أنه «إذا خرج الخضر من هذه الانتخابات أقوى، فهذا سيعطيهم زخماً لتقديم خيار بديل في الانتخابات الرئاسية». وفي مايو الماضي، زادت حصة الحزب من الأصوات في انتخابات البرلمان الأوروبي ليحل في المرتبة الثالثة بنسبة 13%. إنه أكبر قوة سياسية وسط الفئة العمرية بين 18 و34 عاماً، ويحتل المرتبة الأولى أو الثانية في استطلاعات الرأي في عدد من المدن، منها بوردو وليون، وجرينوبل، وهي المدينة الكبيرة الوحيدة التي يحتل عضو من الخضر منصب رئاسة بلديتها. وفي المقابل، لم يستطع ماكرون في المقابل أن يقدم مرشحاً في نصف مدن البلاد الكبيرة.
و«الخضر» ينتقدون الطاقة النووية، ويريدون توسيع وسائل النقل العام على حساب السيارات الخاصة، ويريدون حظر المبيدات الحشرية ودعم الزراعة الحضرية والعضوية، ويفضلون الاقتصاد المحلي. صحيح أن الأحزاب الأخرى تتبنى كثيراً من هذه الأفكار، لكن «الخضر» يعلنون أنهم المدافعون الأكثر مصداقية وصموداً. ويفتقر «الخضر» إلى زعيم قوي، لكن هذا الزعيم قد يظهر بعد الانتهاء من انتخابات البلدية. والسباق ستجري مراقبته عن كثب، بشكل خاص في باريس. إنها عاصمة البلاد وأكثر مدنها سكاناً، والفوز هنا قد يمثل خسائر في مناطق أخرى، ولطالما كان منصب رئيس البلدية المرموق منصة للقفز إلى الرئاسة.
وحتى الآن، تُظهر استطلاعات الرأي تقدم رئيسة البلدية الحالية «آن هيلداجو»، اليسارية والصديقة للبيئة، على «أنييس بيزان» من حزب «الجمهورية إلى الأمام»، التي دخلت السباق الشهر الماضي بعد انسحاب مرشح ماكرون المفضل من السباق بسبب فضيحة.
والتحرك نحو الوسط ربما لا يلائم قاعدة الخضر، خاصة في مدن مثل «ستراسبور» و«بيزانسون» التي يصعدون فيها باعتبارهم قادة ائتلافات محتملة مع الجناح «اليساري». أما بالنسبة لماكرون، فمشكلته تتمثل في إقناع الناخبين بإخلاصه. فقد استقال وزير البيئة في حكومته عام 2018 متهماً الحكومة بالتقاعس عن بذل الجهد المطلوب. ومحاولته زيادة الضريبة على الوقود الأحفوري تعطلت والتوسع في إنتاج الطاقة من الموارد المتجددة مازال بطيئاً. وأحد الإنجازات الكبيرة لماكرون، وهي إغلاق أقدم محطة للطاقة النووية في البلاد، بدأ في عهد «فرانسوا أولوند».
ويرى «برونو كوتر»، أستاذ العلوم السياسية في منظمة أبحاث العلوم السياسية «سيفيبوف» أن «ليس هناك شيء مؤكد». فخمس الذين دعموا «الخضر» في انتخابات الاتحاد الأوروبي صوتوا لماكرون عام 2017. وأشار استطلاع الرأي الذي نشر في 25 فبراير إلى أن شعبية الرئيس تراجعت بثلاث نقاط مئوية بعد ظهوره في «مونت بلانك»، وكان أكبر نسبة لانخفاض التأييد وسط المتعاطفين مع «الخضر». ويرى كوتر أن «البيئة قضية مثيرة لاهتمام المجتمع الفرنسي وإيمانويل ماكرون يخوض حملته في الأساس ليكون المرشح الرئاسي الأخضر. لكن إذا كانت حماية البيئة بهذه الأهمية، فربما يمكن تقديم أحد الخضر كرئيس للدولة».
أنيا نوسباوم
صحفية متخصصة في الشؤون الفرنسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»