في أعقاب انتخابات الكنيست في سبتمبر 2019، كتبت مقالة هنا حول «فلسطينيي 1948 وديمقراطية إسرائيل»، معلقاً على مقالة انتقدت مشاركتهم في الانتخابات بحجة كونها تعزز مقولة أن إسرائيل دولة ديمقراطية، وانتَقَدَت كذلك تزكية عشرة من النواب الفلسطينيين الثلاثة عشر الذين فازوا في تلك الانتخابات زعيم «حزب أزرق-أبيض» لتشكيل الوزارة. وقد دافعت في المقالة عن فلسطينيي 1948 ومشاركتهم في الانتخابات وتزكية عشرة منهم سياسياً صهيونياً لتشكيل الوزارة، لأن أحداً ليس بمقدوره انتقادهم في ظل غياب أي بديل أفضل لتحسين أوضاعهم. كذلك يتفهم المرء أن تزكية زعيم «حزب أزرق-أبيض» كان سلوكاً ضد نتنياهو ومواقفه وليس منبثقاً عن أي سذاجة سياسية. وقد واصل فلسطينيو 1948 أداءهم المتميز في الانتخابات الأخيرة، وحافظوا على وحدتهم التي كانت سبباً في زيادة مقاعدهم في انتخابات سبتمبر 2019 وعلى مكانتهم كثالث قوة سياسية في الكنيست، بالإضافة لزيادة عدد مقاعدهم بواقع مقعدين، ليصبح 15 نائباً. وتُفَسر هذه الزيادة بسببين، أولهما زيادة نسبة مشاركة الفلسطينيين في الانتخابات، وثانيهما زيادة نسبة تصويتهم للقائمة العربية الموحدة. فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة 64.7?‏ بينما كانت 59.2?‏ في انتخابات سبتمبر 2019 و49.2?‏ في انتخابات أبريل 2019، أما عن نسب تصويت الفلسطينيين للقائمة العربية مقارنة بتصويتهم للأحزاب الصهيونية فبلغت في الانتخابات الأخيرة 87?‏ مقابل 80?‏ في انتخابات سبتمبر 2019 و70?‏ في انتخابات أبريل 2019.
وترجع هذه التطورات الإيجابية في السلوك التصويتي للناخبين الفلسطينيين في ما يتعلق بزيادة نسبة المشاركة إلى زيادة الوعي بقضيتهم المشتركة، ومن المؤكد أن النجاح في توحيد اتجاهاتهم السياسية حول برنامج واحد وجهود القيادات التي تضمها القائمة، أثّرت إيجابياً على نسبة المشاركة، أما تراجع نسبة التصويت للأحزاب الصهيونية فيفسره الكثيرون برهان جانتز، زعيم «حزب أزرق-أبيض» على أصوات اليمين، وكان قد صرح في فبراير الماضي بأنه لن يشكل حكومة تضم القائمة المشتركة وإنما سيعتمد على أغلبية يهودية، وذلك رداً على تصريحات لنتنياهو بأن جانتز لن يتمكن من تشكيل حكومة من دون تأييد القائمة العربية، فرد هو بتصريحاته التي أزعجت عدداً كبيراً من الناخبين الفلسطينيين الذين تعودوا التصويت لأحزاب صهيونية واعتبروا أن هذه التصريحات أسقطت عن «أزرق-أبيض» صفة تمثيل الوسط أو اليسار وأن القائمة العربية خير من يمثلهم، ويضيف البعض تفسيراً آخر للسلوك التصويتي للفلسطينيين يتعلق بخطة ترامب للسلام التي وضعت عشر قرى عربية في إسرائيل قرب الضفة ضمن حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية إذا وافق الإسرائيليون والفلسطينيون.
ويشكك البعض في جدوى هذا كله، والحقيقة أن الحد الأدنى من المكاسب التي يمكن أن تتحقق نتيجة هذا الأداء الجيد للناخبين الفلسطينيين، هو أن يصبحوا أكثر قدرة على الدفاع عن حقوقهم ولو على الصعيد المحلي، غير أن الأمر في تقديري بات يتجاوز هذا بكثير، فقد أصبحوا القوة الثالثة في الكنيست، وفي ظل ميزان القوى الحالي بين اليمين الإسرائيلي المتشدد ومعسكر يسار الوسط يمكن أن يكون لهم الصوت الترجيحي في تشكيل الحكومة رغم أنهم لن يشاركوا فيها على الأغلب، بمعنى أن يمنحوا الثقة للحكومة الأفضل من وجهة نظرهم، كما أن أصواتهم يمكن أن تصبح حاسمة كما في حالة الفكرة المطروحة باستصدار تشريع يمنع المتهمين من قِبَل القضاء (أي نتنياهو) من تولي رئاسة الحكومة. غير أن المستقبل مفتوح أمامهم لمزيد من التأثير في الساحة السياسية الإسرائيلية. ومثلا فإن ارتفاع نسبة مشاركتهم في الانتخابات الأخيرة (64.7?‏) إلى 80?‏ سيزيد عدد مقاعدهم إلى 18مقعداً، والزيادة الأكبر في نسبة تصويتهم لقائمتهم بدلا من الأحزاب الصهيونية قد تصل بالعدد إلى عشرين، بل وفقاً لمصادر القائمة المشتركة فإن عدد اليهود الذين صوتوا للقائمة في الانتخابات الأخيرة زاد من 10 آلاف في انتخابات سبتمبر الماضي إلى 20 ألفاً. ولو صح هذا فهو يفتح الباب لإمكان تشكيل جبهة فلسطينية يهودية مستقبلاً ببرنامج مشترك يكون له تأثيره. المهم في النهاية أنهم يفعلون شيئاً لقضيتهم ولا يكتفون بالكلام.