تضاربت التحليلات لنتائج القمة الروسية - التركية في شأن سوريا، وإنْ كان المتفق عليه أن تراكم من مصالح بين الدولتين أقنع فلاديمير بوتين بضرورة الاستمرار في التحاور مع رجب طيب أردوغان. أما النقاط المعلنة للاتفاق، فتُظهر بوضوح أنه لم يعالج مجمل الوضع المتفجّر في إدلب، أو أن الطرفين لم يتوصلا إلى حلّ خلافاتهما فاكتفيا بترتيبات وُصفت بأنها «خفض تصعيد» مؤقّت بينهما. كان واضحاً أن الجانب الروسي مهتمّ بفتح الطريق السريع بين حلب واللاذقية باعتبار أنه حيوي ومن شأنه تعزيز وضع النظام السوري والتواصل بين مدينتين مهمّتين للاقتصاد السوري. ويبدو الاتفاق على مسألة واحدة هي تأمين «إم 4» بمثابة اختبار دقيق للجانب التركي وقدرته على إبعاد الفصائل المسلّحة، المعتدلة أو المتشدّدة/ الإرهابية، ومنعها من تهديد سلامة المرور على هذا الطريق، وبالأخصّ منعها من تشكيل خطر على قاعدة حميميم الروسية في منطقة اللاذقية.
التفت المراقبون عموماً إلى غياب أي تمثيل سوري (أو إيراني) في محادثات موسكو، لكن ما لفت الأوروبيين خصوصاً غياب أي إشارة إلى تكدّس النازحين داخل إدلب وضغطه عليهم عبر تركيا أو إلى المهاجرين الذين تتعمّد أنقرة دفعهم نحو أوروبا عبر اليونان. وليس مؤكّداً أن قمة بوتين - أردوغان تطرّقت إلى المسألتين، إذ كان محورها الرئيسي الحؤول دون مواجهة محتملة بين قوات الدولتين. كان المفاوضون الروس والأتراك، العسكريون والدبلوماسيون، ناقشوا على مدى أسابيع كل النقاط والملفات وتوصّلوا إلى بلورة تصوّرات في شأنها، إلا أن القيادة الروسية اختارت مقاربة محدودة تعطي تركيا دوراً ضمن أهداف موسكو، فالدوريّات المشتركة المتفق عليها قد تطمئن أنقرة إلى استمرارها كلاعب رئيسي في إدلب، لكنها تجدّد الاعتماد عليها في مهمات سبق أن فشلت في إنجازها بموجب اتفاق سوتشي.
عالجت قمة موسكو جزءاً محدّداً من الأزمة وغلّفته بوقف إطلاق النار، كمطلب دولي لكنه إجراء يمكن خرقه بسهولة، وهو ما يحصل فعلاً. ما هو على المحك الآن أن يكون وقف النار وقفاً للقصف الجوي ولتقدم قوات النظام السوري وحلفائها برّاً لأن استئنافهما يعيد التوتر ويعني مزيداً من النازحين. وما يعزّز هذا الاحتمال أن اتفاق موسكو ترك نقاطاً كثيرة غامضة سواء بالنسبة إلى حسم السيطرة نهائياً على بلدة سراقب أو إلى الجبهات المفتوحة في ريفَي حلب وإدلب والمنافسة المحمومة على الموقع الاستراتيجي لجبل الزاوية، ذاك أن روسيا لم تتخلَّ عن هدف استكمال سيطرة النظام على كل الأراضي السورية.
لم يتمكّن أردوغان من إقناع بوتين بإعادة تحريك خطوط التماس إلى ما كانت عليه قبل «اتفاق سوتشي»، ولا بتثبيت نهائي للخطوط الحالية. كذلك لم يحصل أردوغان على «الاتفاق الشامل» الذي كان يطمح فيه بانتزاع موافقة بوتين على منطقة نفوذ تركية أوسع من الشريط الضيّق الذي يتيحه اتفاق أضنة (المبرم عام 1998 بين دمشق وأنقرة). ويبدو أن الخلاف على هذه النقطة حال دون التطرّق إلى وجود القوات التركية في إدلب رغم أن موسكو اعتبرته مخالفاً للقانون الدولي، بل استفزازاً قد يصبح «أطلسياً». لا شك أن الجوانب الغامضة في قمة الرئيسين تحمل بذور التفجير التالي.