نشأت كأميركي بولندي وأنا أسمع عبارة «لا شيء في شأننا بدوننا». وكانت هذه العبارة بالنسبة للأوروبيين الشرقيين تذكرة مؤلمة بالطريقة التي انتزع بها جوزيف ستالين ووينستون تشرشل وفرانكلين روزفيلت دولا صغيرة بعد الحرب العالمية الثانية ووضعوها، ضد إرادتها، تحت السيطرة السوفييتية. لم أعتقد قط أنني سأرى زعيماً أميركياً يقوم بهذا مع أمة ما مرة أخرى حتى رأيت اتفاق إدارة الرئيس ترامب للسلام مع حركة «طالبان». فالصفقة قد تقرر مصير أفغانستان دون أن يكون للحكومة الأفغانية والشعب الأفغاني كلمة في المفاوضات.
ومبدئياً، لم ترتكب الولايات المتحدة خطأً في التفاوض مباشرة مع «طالبان»، فمن الجيد التوصل إلى اتفاق محدود يلزم كل الأطراف بتقليص العنف بينما تسحب الولايات المتحدة بعض قواتها وتبدأ «طالبان» محادثات مع الحكومة الأفغانية. وقد يختبر الاتفاق نوايا «طالبان» قبل الالتزام بانسحاب أميركي كامل حتى يتم الاحتفاظ بورقة ضغط تفاوضية لحلفاء الولايات المتحدة من الأفغان.
وفي 15 فبراير الماضي، وأثناء اجتماع حضره أكثر من عشرة أعضاء من الكونجرس في مؤتمر ميونيخ الأمني بألمانيا، سألت وزير الخارجية مايك بومبيو عن مدى صحة ما يشاع من أن الصفقة قد تلزم الحكومة الأفغانية بالإفراج عن أسرى «طالبان»، في تنازل كبير قد يرفضه الرئيس الأفغاني أشرف غني، فأخبرنا على نحو قاطع بأن الاتفاق لا يقول شيئاً عن الأسرى. لكن الصفقة الأميركية مع «طالبان» نُشرت يوم 29 فبراير وجاء فيها أن خمسة آلاف مقاتل من الحركة تحتجزهم الحكومة الأفغانية «سيجري الإفراج عنهم بحلول 10 مارس»، قبيل انطلاق المفاوضات بين «طالبان» والحكومة الأفغانية. وإذا لم يفرج غني، وهو لم يشارك في مفاوضات الاتفاق، عن الأسرى، فبذلك ستعطي إدارة ترامب ذريعة لـ«طالبان» كي تعلن انتهاك الرئيس الأفغاني للاتفاق ومن ثم ترفض المحادثات معه.
والباقي من الصفقة المعلنة ليس أفضل، فالصفقة لا تشترط على «طالبان» التوقف عن قتل الجنود والمدنيين الأفغان، بل تشترط فحسب أن تتوقف عن إطلاق النار على الأميركيين أثناء مغادرتهم البلاد. والاتفاق لا يلزم «طالبان» بالانفصال تماماً عن «القاعدة» بل يمنعها فقط من مهاجمة الولايات المتحدة من الأراضي الأفغانية. ولا يوجد ذكر لمنع «القاعدة» من مهاجمة الولايات المتحدة من باكستان التي تتواجد فيها «طالبان» أيضاً. والاتفاق لا يتضمن إجراءات تَحقُّق أو عقوبات متفق عليها حال عدم الالتزام. والاتفاق يلزم الولايات المتحدة بسحب كل القوات من أفغانستان في غضون 14 شهراً بصرف النظر عما تقوم به «طالبان». فإذا رفضت «طالبان» التفاوض مع الحكومة الأفغانية فسيظل علينا أن نغادر. وإذا استمرت في قتل المدنيين الأفغان سيتعين علينا الرحيل أيضاً. وهذا يضمن فعلياً أن تواصل «طالبان» القتل وليس المحادثات.
هذا باختصار ليس اتفاق سلام، بل ورقة توت كبيرة تغطي على الانسحاب والتخلي عن حلفائنا الأفغان. ويمكنني أن أتفهم ضجر معظم الأميركيين من استمرار قتالنا في أفغانستان لأكثر من 18 عاماً. وأنا من هؤلاء الذين سئموا الحرب هناك. لكني لا أرى إلا خيارين مخلصين:
الأول هو القيام بما لم نجربه من قبل قط، وهو التوقف عن وضع مواعيد نهائية للمغادرة وأن نعلن ببساطة عن استعدادنا لبقاء بعض القوات في أفغانستان مادام الأفغان يريدون شراكتنا، كما هو حال قواتنا في ألمانيا وكوريا الجنوبية ومناطق أخرى. ويتعين أن تقتصر مهمة هذه القوات على تدريب الجيش الأفغاني وليس التورط في قتال. وهذا التعهد يعزز إمكانية التوصل إلى تسوية بالتفاوض تحافظ على المكاسب التي حصدها الأفغان في مجال الديمقراطية وحقوق المرأة. بل قد يجعل التعهد بالبقاء وإلى الأبد أكثر سهولة. وعلينا أن نتذكر أن القوات التي وعد الرئيس ترامب بسحبها قد لا تعود إلى أرض الوطن بل ستبقى في المنطقة مستعدةً للعودة إلى أفغانستان إذا أصبحت ملاذا للإرهابيين ثانيةً. والعودة في ظل هذه الظروف قد تكون أكثر خطورة من البقاء اليوم.
والخيار الثاني هو أن نحسم أمرنا وأن نقرر بأنه لا حاجة بنا للبقاء في أفغانستان مهما تكن العواقب. وإذا كان الأمر هكذا فعلينا المغادرة وكفى. فلماذا نعطي «طالبان» هدية إضافية بإجبار الحكومة الأفغانية على الإفراج عن مقاتليها ورفع العقوبات الأممية عن زعمائها؟ ولماذا نضفي مشروعية على الإرهابيين بمكالمات هاتفية رئاسية؟
أما أسوأ خيار فهو إخبار الشعب الأميركي بقصة خيالية عن حلول السلام كي نقلص شعورنا بالذنب عن المغادرة أو كي يستطيع ترامب التفاخر بأنه أبرم صفقة. لنقبل المسؤولية عن كل ما فعلناه في أفغانستان بحلوه ومره ونواصل العمل مع حلفائنا هناك.. أو لنغادر ونترك الأفغان يقررون مستقبلهم بأنفسهم.
توم مالينوفسكي
نائب عن ولاية نيوجيرسي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»