انتشر مقطع مصور، على نطاق واسع، في العالم الرقمي، لرجل يوجه ضربات بقبضات الأيدي لظهر مقعد أرخته امرأة للخلف في طائرة. ولفت المقطع انتباه «إيد باستيان» الرئيس التنفيذي لشركة «دلتا آيرلاينز». لكن باستيان زاد الطين بلة، حين طلب من المسافرين أن يستأذنوا بلطف الركاب الذين خلفهم قبل الضغط على زر إرخاء المقعد للخلف. وأثار هذا غضب بعض الذين شاهدوا تقلص مساحة المقاعد على مدى سنوات، في الوقت الذي تحاول فيه الشركات تعزيز هوامش الأرباح بحشد عدد متزايد من الركاب في طائراتها. وسأل مراقبون عن السبب الذي يدفع المسافرين لخوض معركة مرهقة بدنياً، لمجرد أن يملؤوا خزائن الشركات التي تحقق أرباحاً بمليارات الدولارات سنوياً.
والبعض يلوم النظام الرأسمالي نفسه. والمدافعون عن النظام سيردون عادة بأن الخطوط الجوية تقدم للناس ما يريدونه وكفى. ويجادلون بأن المسافرين اختاروا هذا المقعد الصغير مقابل سعر أقل للتذكرة. ومن الصعب أن نعرف مدى تغير أسعار التذاكر مع الوقت، لأن مجرد النظر إلى أسعار التذاكر ليس مقارنة عادلة. فمتوسط مسافة الرحلة يتغير والزبائن يدفعون اليوم رسوماً لأمور، مثل فحص الأمتعة والوجبات، كانت متضمنة من قبل في السعر. لكن بيانات مكتب إحصاءات العمل التي تحاول حساب كل هذه العوامل، تشير إلى أن السفر جواً أصبح أرخص مما كان عليه قبل عشرين عاماً من الآن، رغم الصعود الطفيف في الأسعار الحقيقية للنفط.
وإلى ذلك، يقدم السفر الجوي حالياً للمستهلكين قائمةً أكبر من الخيارات. ويمكنهم الحصول على خصم ومساحة أقل للسيقان، مقابل سعر أقل للتذكرة. ويمكنهم الدفع أكثر لاختيار المقاعد الممتازة ذات المساحة الأكبر. وفي عام 2016، أصبحت بوصة إضافية للمساحة المتاحة للسيقان في منطقة شمال الأطلسي تكلف نحو 33 دولاراً. ومازال هناك بعض المستهلكين الذين لا يجدون مكاناً في هذا النظام، مثل أن يريد المرء مجرد مساحة أكبر قليلاً للسيقان مما توفرها الشركة، مقابل قدر إضافي قليل من المال. لكن بصفة عامة، يقدم نظام السفر الجوي، في ظل سوق حرة اليوم، خيارات أكبر وتوافقات بين المساحة المتاحة للساقين وسعر التذكرة.
وكما هو الحال حين نناقش نقاط قصور الرأسمالية، فمن المهم أن نفكر بشأن البديل المحتمل، وقد يكون في هذه الحالة تأميم الصناعة. لكن هذه قد لا تبدو فكرة مجنونة كظاهرها، فهناك خطوط جوية مملوكة للحكومات، لكنها مصنفة في قمة الخطوط الجوية في العالم. ولم يتضح ما إذا كانت شركة أميركان آيرلاينز أو شركة يونيتد آيرلاينز تستطيعان مضاهاة هذه الشركات إذا أصبحتا مملوكتين للحكومة الأميركية. فالكلفة العالية جداً للبنية التحتية الأميركية تشير إلى أن الحكومة الاتحادية ربما تواجه مشكلات في عملية اتخاذ القرار، مما يجعل التحكم في الكلفة صعباً.
والتوجه في معظم الدول المتطورة يميل نحو الخصخصة. ومعظم الخطوط الجوية الأوروبية التي كانت تمتلكها الحكومات القومية ذات يوم، أصبحت ملكاً للقطاع الخاصة. فقد امتلك القطاع الخاص الخطوط الجوية الكورية عام 1969 وأصبحت الخطوط الجوية اليابانية ملكية خاصة عام 1987. وكان هذا نتيجة الضغوط المالية. لكن غالبية الخطوط الجوية التي مازالت مملوكة للدول موجودة في البلاد النامية. وأنصار التأميم ربما يجادلون بأنه دون الحاجة إلى تحقيق أرباح، قد تقلص خطوط الطيران السعر أو تعزز المساحة المتاحة للسيقان مع ثبات السعر. ومنذ عام 2005، أدت موجة عمليات الاندماج الكبيرة بين شركات الطيران إلى زيادة ربحية القطاع. والملكية العامة ربما تقلص التنافس أيضاً. لكن خطوط الطيران كانت تقف على حافة الإفلاس قبل موجة الإندماج، والآن ارتفعت هوامش الأرباح فيها إلى المستويات العادية للنشاط الاقتصادي الأميركي. ولذا لا يوجد الكثير من الأرباح لانتزاعها من النظام.
والخطوط الجوية القومية قد تعمل في ظل خسائر مدعومة بأموال الضرائب، لكن هذا سيؤدي على الأرجح إلى أن تصبح الخطوط الجوية محل نزاع سياسي لتكون الخصخصة مآلها النهائي. والرواتب قد تتقلص والمدخرات قد تذهب إلى الركاب، لكن هذا قد يقلص كفاءة التشغيل والجودة. فكما أنه لا أحد يحب الاختيار بين دفع رسوم أعلى وبين الجلوس في مقعد ضيق حرج، فلا يرجح أن يحسن التأميم الأوضاع. ومع توافر مساحة محدودة لزيادة الراحة مع إبقاء الكلفة منخفضة، يجب على خطوط الطيران محاولة تحسين خبرة الطيران بجعلها أكثر مساواة. فمن المثير للضيق حقاً أن نتلقى نصيحة بشأن الطريقة الملائمة للتصرف أثناء الرحلة من رجل يحقق ملايين الدولارات، كراتب شهري، بحشده عدداً أكبر من الناس في الطائرات. ولذا يجب على رؤساء شركات الطيران تجنب توجيه النصح للمسافرين.

وفي الوقت نفسه، ربما يكون من الجيد توفير مقاعد متطابقة على الطائرات دون فئات مختلفة على متن الطائرة الواحدة. فإزالة عدم المساواة الواضحة للعيان تلك، قد تجعل المسافرين يشعرون بشكل أفضل تجاه خبرة السفر جواً، وربما يكونون مستعدين لدفع المزيد قليلاً من أجل الاستمتاع.


*أستاذ التمويل المساعد السابق في جامعة ستوني بروك
ينشر بترتيب خاص متع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»