«لقد عاد».. فيلمٌ كوميدي يدور حول عودة أدولف هتلر إلى ألمانيا الحالية، وقد لاقى نجاحاً كبيراً. غير أن الأمر قد يكون أكبر وأعقد مما يبدو عليه.
الفيلم، الذي بدأ عرضه قبل شهر، يتصدر شباك التذاكر الألماني، وقد شاهده أكثر من 1.7 مليون شخص حتى الآن. وهو مستوحى من رواية أولى ناجحة أيضا (عنوانها «انظر من العائد» بالترجمة الانجليزية) للكاتب الشبح والصحافي السابق «تيمر فيرمس»، رواية حققت نجاحاً مفاجئاً في 2012.
في قصة «فيرمس»، يستيقظ هتلر في موقع بناء في برلين الحديثة، متسخاً ومشوش الذهن قليلاً، ولكن في سيطرة تامة على قدراته. لقد نام 66 عاما. يتوه بين الشوارع، ثم سرعان ما يتبناه صاحب كشك لبيع الجرائد يعتقد أن «الفوهرر» ممثلٌ يواجه فترة عصيبة. ثم يصبح هتلر نجماً تلفزيونياً، بل ويبدأ مساراً سياسياً متواضعاً. وفي غضون ذلك، لا يبذل أدنى جهد من أجل إخفاء هويته، ما يفضي إلى عشرات المواقف الكوميدية: فالبعض يعتقد أنه مضحك، بينما يعجب به آخرون، رغم أنه يتبنى الخطاب الحاد نفسه الذي أوصله للسلطة.
وفي نهاية كتاب «أنظر من العائد»، يحصل هتلر على عقد كتاب. يقول له الناشر: «إننا لا نريد كتاب كوميديا». فيجيب هتلر موافقاً: «أعتقد أن ذلك في مصلحتك أيضاً. إن الفوهرر لا يحكي النكات، أليس كذلك؟».
والجدير بالذكر هنا أنه من المنتظر أن تعاد طباعة كتاب هتلر «كفاحي» في ألمانيا أوائل العام المقبل، وذلك لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
ومع عودة كتاب "«كفاحي»، سيعود «الفوهرر» حقا: فكل من يرغب في الاستماع إليه ستتاح له تلك الفرصة. غير أنه من غير المؤكد إن كان كل القراء سيكونون مهتمين أكثر بتعليقات المؤرخين منها بأفكار هتلر. والحال أن قصة فيرمس حول عودة «الفوهرر» حدثت كمسرحية هزلية منذ بعض الوقت هذا العام.
فقبل نحو عام، قامت منظمة «بيجيدا» المعادية للمهاجرين - اسمها هو اختصار ل«أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب»- بمظاهرات في مدينة دريزدن الألمانية الواقعة شرق البلاد من أجل الاحتجاج على تدفق المهاجرين المسلمين. وخلال ذروة الحركة، خرج 26 ألف شخص إلى الشوارع، ما أخاف السياسيين الألمان المنتمين إلى التيار الرئيس المعتدل وأدى إلى مظاهرات مضادة في عدة مدن. غير أن «بيجيدا» توقفت حينما خرجت تدوينات لزعيمها رجل الأعمال «لوتز باخمان»على «فيسبوك» إلى النور، تدوينات تضمنت خطاب كراهية (إذ وصف المهاجرين ب«الحيوانات»، إضافة إلى صورة لباخمان بزي هتلر وهيئته.
رواية «باخمان» هي أنه أعطى صورته لتنشر على غلاف كتاب صوتي ل«انظر من العائد»، ولكن بالنظر إلى آرائه ومواقفه السياسية، لم يكن هذا التفسير مقنعا، فأُرغم على الاستقالة من منصبه كزعيم ل«بيجيدا». وقال نائب المستشارة سيغمر غابرييل حينئذ: «إن كل من يتنكر في هيئة هتلر إما غبي أو نازي».
ولكن «باخمان» استعاد منصبه كزعيم ل«بيجيدا» بعد أن اكتُشف أن الشارب أضيف إلى صورته. وجاء في عنوان لصحيفة «بيلد» الألمانية، على نحو متوقع: «لقد عاد».
غير أن «بيجيدا» عادت مؤخرا، مستغلة قرار المستشارة أنجيلا ميركل السماح بدخول مئات الآلاف من اللاجئين من سوريا. وفي 12 أكتوبر، نصب متظاهرو «بيجيدا» في دريزدن مشنقة وهمية لميركل وغابرييل (الحادث هو موضوع تحقيق الآن). وبعد ذلك بأسبوع، شارك 20 ألف شخص في تجمع ل«بيجيدا»، وهو عدد ما كانت لتحلم به المنظمة قبل بضعة أشهر فقط.
ولو أن فيرمس، وهو ابن مهاجر مجري، ألّف كتابه الآن، لاستطاع وصف طيف سياسي أكثر نشاطاً بكثير على أقصى اليمين. ذلك أنه إلى جانب «بيجيدا»، هناك أيضا «البديل من أجل ألمانيا»، الذي أسس في 2013. هذا الحزب يحظى بنحو 5 في المئة من الدعم في الانتخابات، وهو أداء قوي بالنسبة لحزب معاد للأجانب في ألمانيا، حيث رُفضت مثل هذه الآراء على مدى عقود.
الألمان الذين يتقاطرون على قاعات السينما من أجل مشاهدة فيلم «لقد عاد» معظمهم يرغب في مشاهدة فيلم مضحك وحسب. لقد تغير البلد كثيرا لدرجة أن القلق وعدم الارتياح المرتبطين بهتلر الخيالي تحولا إلى ضحك وتسلية. غير أن نية «هيرمس» لم تكن تأليف كتاب كوميدي فحسب، فقد قال إنه كان يريد أيضا معرفة كيف خُدع الألمان من قبل هتلر. ولو قرر فيرمس كتابة تتمة أو جزء جديد اليوم، لوجد أمامه مادة جديدة غنية ليشتغل عليها.
*كاتب روسي مقيم في برلين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»