الأرقام التي ظهرت الشهر الماضي عن صادرات النفط الفنزويلي في النصف الأخير من عام 2019، تكشف أمرين؛ أولهما أن صناعة النفط الفنزويلية تعمل بأقل من مستوياتها قبل نصف عقد، حين كانت البلاد (صاحبة أكبر مخزون نفطي في العالم) تصدر مليوني برميل من النفط الخام يومياً. لكن الأرقام تخبرنا أيضاً بتعافٍ طفيف في الصادرات ساعد على دعم حكومة الرئيس نيكولاس مادورو المحاصرة بالضغوط الخارجية. فصادرات النفط التي هبطت إلى 800 ألف برميل يومياً في أغسطس الماضي، وسط ضغوط العقوبات الأميركية على «شركة النفط الوطنية» الفنزويلية، تعافت لتبلغ 1.1 مليون برميل يومياً في ديسمبر.
وقبل بضعة شهور فحسب، كانت حكومة مادورو على حافة انهيار اقتصادي وفي مواجهة سخط شعبي وضغط دولي، بسبب انتهاك الحقوق المدنية والأعراف الديمقراطية. وليس صعود مبيعات النفط إلا علامة واحدة فقط على أن هذه الحكومة، ربما ينتهى بها الحال إلى الاستمرار في السلطة. فقد أعلن الرئيس دونالد ترامب، قبل عام في اجتماعات البيت الأبيض، أن مادورو «يتعين عليه الرحيل» وأن الولايات المتحدة تدعم خوان جوايدو، الزعيم البرلماني الشاب الذي أعلن نفسه رئيساً «مؤقتاً» لفنزويلا. لكن حكومة مادورو تبدو اليوم وقد حققت استقراراً وحصلت على نفحة حياة جديدة.
ويرى خبراء في شؤون فنزويلا أن تجدد سيطرة مادورو على السلطة، قد يعني أن نصف الكرة الغربي يتعين عليه الاستعداد في المستقبل المنظور لنظام  آخر واقتصاد تديره الدولة. لكن هناك آخرين يرون أنه مازال من الممكن أن يؤدي مسعى جديد بقيادة الولايات المتحدة إلى الإطاحة بمادورو وعودة فنزويلا إلى الحكم الديمقراطي، لكنهم يقولون إن الوقت ينفد. ويؤكد إيريك فارنزوورث، نائب رئيس منظمة «مجلس الأميركيتين» البحثية، ومقرها واشنطن، أن «كل شيء يوحي بأن مادورو مازال مسيطراً بقوة.. وهذا يبشر نصف الكرة الأرضية الغربي بكوبا ثانية، لكن هذه المرة كوبا لديها نفط».
والبعض يحدوه الأمل في أن يحمل الرئيس ترامب تعهده بضرورة رحيل مادورو محمل الجد، وأن يصدر أوامر تتجاوز العقوبات قبل فوات الأوان. ويرى روجر نورييجا، مساعد وزير الخارجية السابق لنصف الكرة الغربي في إدارة بوش الابن، أن «الوقت ينفد من الولايات المتحدة في التأثير الذي تريده». وأشار نورييجا، وهو الآن زميل زائر في «معهد أميركان انتربرايز» (مقره واشنطن) إلى أن الرئيس ترامب دعا جوايدو لحضور خطاب حالة الاتحاد لهذا العام، وأن هذا وغيره من المؤشرات المستقاة من مصادر داخلية «يعطيني سبباً للاعتقاد بأن الإدارة لديها المزيد في جعبتها سيظهر في المستقبل القريب».
ويعتقد نورييجا المؤيد لتدخل واشنطن في مناطق الصراعات بأميركا اللاتينية، أن سقوط مادورو لن يتحقق بالعقوبات والتدخلات الناعمة وحدها، وأنه «إذا أردنا إزاحة هذا النظام، فعلينا استخدام نوع ما من القوة»، فيما يعيد إلى الأذهان تاريخ الولايات المتحدة العسكري وتدخلاتها غير الناجحة في المنطقة. لكن نورييجا يتخيل اضطلاع الولايات المتحدة بمهمة، يصفها بعمليات «تنفيذ قانون» مع حلفاء في المنطقة، مثل كولومبيا والبرازيل، لإغلاق فنزويلا وإضعاف مادورو بقطع عائدات الموارد النفطية عنه. وذكر نورييجا أنه يستخدم فعلياً كلمة «الحجر» ليصف الطريقة التي يعتقد أنها ملائمة لإسقاط نظام مادورو.
ويُذكر أنه في لحظة ما من العام الماضي، كان مادورو يبدو كما لو أنه في سبيله للخروج من السلطة. وخلال بضع ساعات يوم 30 أبريل، كان الجيش الفنزويلي ينقل ولاءه فيما يبدو من مادورو إلى جوايدو. لكن مادورو استطاع التعافي بسبب ما وصفه خبراء إقليميون بأنه مزيج من السياسة الأميركية التي أسرفت في الاعتماد على العقوبات ومعارضة سياسية غير منظمة وغير ملهمة وسكان ينهشهم القمع ونقص الغذاء.
ويرى فارنزوورث (من منظمة «مجلس الأميركيتين») أن «العقوبات تجدي في مفاقمة كلفة بعض التصرفات والتسبب في ألم، لكن لا توجد حالة أدت فيها العقوبات إلى تغير في الإدارة».
ويرى نورييجا أن الإدارة أضاعت وقتاً ثميناً في الاعتماد على عقوبات لم تطبّق بالكامل قط، وعلى معارضة سياسية في فنزويلا اشتهرت بالتناحر فيما بينها، بدلاً من إلهام الفنزويليين وتحفيزهم على التحرك. ويرى أن «الإدارة قللت من شأن النظام وبالغت في شأن السياسيين المعارضين الذين لم يستطيعوا تحريك انتفاضة». ومما يعزز احتمالات استمرار مادورو في الحكم أنه استطاع كسب ولاء النخب، خاصة كبار قيادات الجيش، بمنحهم فرصاً لجمع الثروة وضمان حياة ناعمة لهم. وأشار بعض الخبراء إلى أن معظم هذه «الفرص» تنطوي على أنشطة غير مشروعة مثل تحويل عائدات النفط لهم دون حساب، وتنسيق أعمال تهريب الذهب والمخدرات، مما يسمح لمادورو بمقايضة رغد العيش بالولاء له. وجاء في بعض التقارير أن حكومة مادورو نهبت 350 مليار دولار من ثروة فنزويلا لشراء ولاء قادة الجيش ونُخب صناعة النفط. ورغم ما يبدو أنه اهتمام جديد في إدارة ترامب بتحقيق تغيير في فنزويلا، يعتقد فارنزوورث أنه لا يوجد ما يدفع المرء لتوقع حدوث تغير كبير في الأمد المنظور.

*المراسل الدبلوماسي لـ«كريستيان ساينس مونيتور»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»