يوماً‎ تلو الآخر تثبت الأيام عمق العلاقات المصرية الإماراتية، ومدى تجذرها في أرض الواقع الإنساني بين الشعبين الكبيرين، وقد أظهرت وفاة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الأيام القليلة الماضية أصالة الشعب الإماراتي قيادة وشعباً تجاه أحد رموز الدولة المصرية عبر ثلاثة عقود.
رحل‎ الرئيس الأسبق مبارك، وبكاه المصريون، فقد عرفت أجيال كاملة مبارك قائداً وبطل حرب، وقائد مسيرة سلام وتنمية وصانع استقرار في الوطن والإقليم. وكانت جنازته العسكرية المهيبة قراراً صائباً يؤكد مدى تقدير مصر الرسمية والشعبية له.
غادر‎ مبارك موقع السلطة بمؤامرة شاركت فيها أطراف دولية خارجية يدركها القاصي والداني ، مستغلة جماعات الإسلام السياسي من «إخوان» وتنظيمات إرهابية أخرى ممن امتلأت قلوبهم حقداً على الرجل ، واستطاعوا تأجيج مشاعر البعض من العوام، في 25 يناير، والتي لم تكن ثورة أبداً بأي معنى أو مفهوم أو مصطلح.
غير‎ أنه شتان بين أن تغادر موقع الحكم، وأن تترك مكانك في القلوب، والذين قُدر لهم متابعة الساعات التي أعقبت إعلان النبأ الحزين، استطاعوا أن يرصدوا ظاهرة من شقين داخلي وخارجي. وعن الداخل بدا أن هناك حزناً حقيقياً يعم الأرجاء، وقد ظهر معدن الشعب المصري الأصيل بشكل تلقائي، لا سيما عبر وسائط التواصل الاجتماعي التي امتلأت عن بكرة أبيها بعبارات الوداع التي تنم عن ألم وحزن حقيقيين أصابا المصريين، والتعبير المصري الدارج «العِشرة»، يخبر عما يُعتمل في النفوس تجاه قائد مصري خدم البلاد والعباد طوال أكثر من ستين سنة، رجل لم تقدر الأنواء العاصفة على كسره، وفضل الألم والمعاناة والمحاكمة بل والسجن إلى أن تظهر براءته، على أن يشعل مصر بالحرب الأهلية، أو أن يغادرها إلى الخارج هارباً كغيره من قيادات المنطقة، ومؤكداً أن مصر هي أرض المحيا والممات، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
خارجياً‎ كانت ردات الفعل تؤكد أن مبارك لا يزال له مكان ومكانة كبيرين في نفوس الشعوب العربية قاطبة، ولعل الموقف الإماراتي تحديداً جاء معبراً عن رسوخ العلاقة بين القاهرة وأبوظبي، وعن الأصالة في النفس الإماراتية التي تحتفظ بذكريات طيبة وبعلاقة غاية في التميز بين الرئيس المصري الراحل والمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه.
في‎ نعيه لمبارك، أشار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى أن مبارك كان قائداً عربياً عمل بإخلاص من أجل وحدة العرب واستقرارهم، ومذكراً بأن مبارك وقف بقوة ضد التطرف والإرهاب، كما أنه كان صاحب موقف تاريخي في حرب تحرير الكويت، ومنوهاً إلى الخصوصية المصرية الإماراتية التي جمعت بين الراحل الكبير وبين الشيخ زايد رحمهما الله.
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب‎ رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وصف مبارك بأنه عمل بكل إخلاص على ترسيخ روابط تاريخية بين مصر ودولة الإمارات ، واليوم ينعم الشعبين الشقيقين بعلاقة خاصة وإيجابية بفضل جهود زايد وجهود مبارك.
الذين‎ قُدر لهم أيضاً متابعة وسائل الإعلام الإماراتية، ووسائل التواصل الاجتماعي أدركوا أن الإمارات، على الصعيد الشعبي، أي على مستوى الأفراد لم يكونوا أقل من الإمارات الرسمية في التعبير عن مشاركتهم لأشقائهم في مصر في هذا الحدث الجلل، الأمر الذي يمكن ترجمته بالمزيد من معاني الأصالة والشهامة والوفاء عند الشعب الإماراتي تجاه الأشقاء في مصر متمثلين في رئيسهم الراحل.
لم‎ تتوقف العلاقات المصرية- الإماراتية، وحكماً لن تتوقف عند علاقة الأشخاص على الرغم من رمزيتهم في درب الحياة، إذ باتت القضية مودات متبادلة بين شعبين.
والمصريون‎ سيذكرون دوماً دعم الإمارات لهم للخلاص من مؤامرة الأصوليين، بعد ثورة 30 يونيو 2013. رحم الله زايد الخير ومبارك الفارس الذي ترجل عن جواده ، ولعل ما في علاقتهما من دروس تنفع وتشفع للأجيال القادمة في البلدين عبر مسيرة الحياة ودروبها الصعبة.
*كاتب مصري