في سابقة هي الأولى من نوعها، نجح علماء معهد ماساتشوستس بالولايات المتحدة، في اكتشاف نوع جديد من المضادات الحيوية بالاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي، وهو ما اعتبره الخبراء اختراقاً واعداً على صعيد مشكلة تزايد قدرة البكتيريا على مقاومة المتاح حالياً من أنواع المضادات الحيوية المختلفة.
وتمكن العلماء من تحقيق هذا الاكتشاف، بالاعتماد على (لوغاريتم) خاص وقوي جداً، تمكن من تحليل ودراسة أكثر من مئة مليون مركب كيميائي، في غضون أيام قليلة، ليتوصل إلى مركب غير معروف سابقاً، أظهر قدرته على قتل 35 نوعاً من أنواع البكتيريا الخطيرة.
ويأتي هذا الاختراق بعد أسابيع قليلة من إعلان شركتين، بريطانية ويابانية، عن تمكنهما بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي من (اختراع) مركب كيميائي جديد، يتوقع له أن يُستخدم في علاج مرضى الوسواس القهري. وتمكنت الشركتان من الوصول إلى هذا المركب في غضون 12 شهراً فقط، بينما يستغرق تطوير دواء أو عقار جديد بالأساليب التقليدية حوالي خمسة أعوام، وهو ما يشكل نقلة نوعية في مجال تطوير الأدوية والعقاقير الطبية.
وبناء على هذين التطورين، يعتبر عام 2020 هو العام الذي دخل فيه الذكاء الاصطناعي حقلاً جديداً في المجال الطبي، بعد أن أثبت فعاليته سابقاً في تشخيص صور الأشعة. ففي دراسة قام بها علماء جامعة أميركية في ولاية إلينوي (Northwestern University)، ونشرت نتائجها في عدد مايو الماضي من إحدى الدوريات المتخصصة في العلوم الطبية (Nature Medicine)، حقق الذكاء الاصطناعي نتائج مساوية، وأفضل أحياناً، من الأطباء والمتخصصين، في التعرف على وتشخيص الإصابة بسرطان الرئة، وهو ما قد يزيد من فعالية البرامج المسحية الهادفة للتعرف على الإصابة بالسرطان بشكل مبكر، مما يزيد من فرص الشفاء والنجاة للمرضى المصابين.
ويُعرّف الذكاء الاصطناعي في أبسط صوره على أنه: تمتع الآلة أو الكمبيوتر بمهارات وقدرات، ترتبط في الذهن بالذكاء، مثل القدرة على الفهم، والتعلم، والتحليل، والاستنتاج، وحل المشاكل، واستخدام قواعد المنطق، والتخطيط، والتفكير النقدي، وربما حتى الابتكار والإبداع، والشعور بالذات، والإدراك العاطفي. وبوجه عام تتعدد وتتنوع المجالات والقطاعات التي تشهد تزايداً مستمراً في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل نظم الرعاية الصحية والمستشفيات، والمعاملات المالية ووظائف البنوك، والتعليم والبحوث والدراسات، ووسائل الإعلام والأخبار وصناعة النشر، وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، ووسائل النقل والمواصلات، والصناعات الثقيلة، والتسويق والمبيعات، وخدمة العملاء.
وفي المجال الطبي والرعاية الصحية، يطبق الذكاء الاصطناعي من خلال استخدام لوغاريتمات معقدة وبرامج كمبيوتر، يمكنها محاكاة ومطابقة القدرات الذهنية البشرية، لغرض تحليل بيانات ومعلومات طبية معقدة، وبالتحديد قدرة هذه اللوغاريتمات على مقاربة الاستنباط والاستدلال البشري.
وهو ما قام به علماء معهد ماساتشوستس مؤخراً، حين قاموا بتدريب اللوغاريتم من خلال تحليل 2500 عقار ومركب كيميائي، لمعرفة أي منها يتمتع بأكثر الخواص والمزايا القاتلة لبكتيريا الـ «إي كولاي»، ومن بين هؤلاء اختاروا 100 منهم للاختبار العملي، ليكتشفوا مركباً جديداً (Halicin)، وصفوه بأنه ربما يكون من أقوى المضادات الحيوية التي تم اكتشافها حتى الآن.
ويمكن إدراك حجم الآمال التي أصبحت معلقة على الذكاء الاصطناعي من إعلان نظام الرعاية الصحية الوطني في بريطانيا منتصف أغسطس الماضي، عن البدء في تأسيس وإنشاء معمل للذكاء الاصطناعي، ضمن خطة سيتم تمويلها بمبلغ 250 مليون جنيه إسترليني (مليار و200 مليون درهم) لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف جوانب الرعاية الصحية، وهو ما من شأنه أن يرفع من مستوى وكفاءة الرعاية المقدمة، وأن يزيد من قدر الأمن والسلامة التي سيحظى بها المرضى، وخصوصاً على صعيد تجنب الأخطاء البشرية والتي تعتبر من أهم أسباب الإصابات والوفيات في المنشآت الصحية، كما أنه سيحرر أفراد الطاقم الطبي من الأعمال الروتينية التي تستهلك جزءاً كبيراً من وقتهم، وتمنحهم الفرصة لقضاء وقت أطول مع مرضاهم، للتأكيد على أهمية التواصل الإنساني ضمن منظومة الرعاية الصحية.