أعلنت سوريا وصول طائرة للخطوط الجوية السورية إلى مدينة حلب، الأسبوع الماضي، لأول مرة منذ ثماني سنوات. الرسالة المبثوثة ضمناً في هذا الخبر الهام هي أن الأمور في البلاد بدأت تستقر مع انتهاء الحرب، وهذا صحيح من الناحية العسكرية على الأقل. لكن ما تزال أمام سوريا أزمة أخرى تستحق أخذها بعين الاعتبار، ألا وهي أزمة إعادة البناء في ظل استقلالية القرار.
ولإعطاء فكرة عامة عن حجم هذه الأزمة، كانت التقديرات قبل عام ونصف العام من الآن تتحدث عن 250 مليار دولار كتكلفة لإعادة البناء، لكن التقرير الصادر في أغسطس الماضي عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، رفع هذا الرقم إلى 388 مليار دولار، أي نحو ست أضعاف الناتج المحلي السوري الإجمالي قبل بداية الحرب في سنة 2011.
ومما يزيد صعوبة أزمة إعادة البناء هذه أنه لا يمكن تأجيل عناصرها، فكلها أولويات ملحة، خاصة في المناطق التي تم فيها تدمير المؤسسات الأساسية مثل المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والكهرباء وشبكات الطرق والمواصلات. وفي المناطق الريفية مثل الرقة، تم تدمير قنوات الري ومخازن العلف، إلى جانب تدمير الطرق من جانب جميع الأطراف لإعاقة تحرك الخصم. وكانت النتيجة أنه في العام الماضي تعذّر إيصال المساعدات الحيوية (بما فيها الطبية) لحوالي 78% من سكان بعض المناطق.
الخلاصة الرئيسية هي أن مرحلة الحسم العسكري ليست نهاية للأزمة، بل الأدق أن نقول إن ما بقي عمله قد يكون أصعب، حتى على مستوى الحياة اليومية لكثير من السوريين. فمثلاً في بعض المناطق ارتفعت أسعار الغذاء بحوالي 800%، بينما تصل نسبة البطالة حوالي 50% وترتفع بين الشباب إلى 78% حسب التقرير الأممي ذاته المذكور آنفاً. كما أن معدلات الفقر في ارتفاع وتحتاج لعلاج سريع. وهناك مأساة النازحين واللاجئين السوريين وهم حوالي نصف السكان، أي نحو 9 ملايين نسمة، لأنه بالرغم من عدم المعرفة الدقيقة لأعداد النازحين (في الداخل) فإن حجم الدمار لم يترك للكثيرين خياراً آخر غير ترك ديارهم بحثاً عن سبل النجاة.
ولعل أعداد اللاجئين في الخارج أكثر دقة، فمعظمهم في دول الجوار، مثل لبنان والأردن العراق وتركيا، وغالبيتهم من الأطفال والنساء، ويُنظر إليهم في هذه البلدان (وكلها تعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة) على أنهم عبء إضافي على اقتصاداتها. والمساعدات الدولية التي تصل لهذه الدول لمساعدتهم على مواجهة ذلك العبء الإضافي ليست كافية بالمرة.
الحسم العسكري إذن ليس نهاية للأزمة السورية، بل هو مرحلة في أزمة مستعصية، والقادم سيأخذ وقتاً وسيحتاج موارد مالية ضخمة للقيام به، لذلك لا مناص من الاعتماد على الدعم الخارجي. ومن يستطيع تقديم هذا الدعم سيكون في موقف قوي لاقتراح الإصلاحات الضرورية، والتي كانت مطلباً أساسياً في بداية هذه الحرب الشرسة.

*أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية -القاهرة