بإعلان نتائج الانتخابات التمهيدية لـ«الحزب الديمقراطي» لاختيار مرشحه لانتخابات الرئاسة الأميركية القادمة في ولاية نيفادا، أصبح واضحاً أنه من الضروري أن يؤخذ احتمال فوز بيرني ساندرز بهذا الترشيح على محمل الجد، فبينما وضعته نتائج الجولتين السابقتين للانتخابات في أيوا ونيوهامبشير في موقع متقدم بفارق ضئيل عن أهم خصومه، بدا وكأنه اكتسح انتخابات نيفادا، حيث حصل وحده على نسبة من الأصوات تساوي ما حصل عليه خصومه الثلاثة الأهم مجتمعين، إذ حصل على 46%‏ من الأصوات، بينما حصل جو بايدن على 23%‏ وبيت بوتيجيج على 13%‏ وإليزابيث وارين على 10%‏.
ويدخل ساندرز الانتخابات بخبرة سياسية تنفيذية وتشريعية واسعة، حيث أصبح عمدة لمدينة بيرلينجتون في عام 1981 ثم عضواً في مجلس النواب عام 1990 ثم في مجلس الشيوخ اعتباراً من 2007 وحتى الآن، والأهم من هذا كله أنه صاحب تجربة في خوض السباقات التمهيدية للانتخابات الرئاسية، إذ كان في الانتخابات السابقة منافساً حقيقياً لهيلاري كلينتون التي فازت بترشيح الحزب. ومن الواضح أن هذه التجربة زوّدته بخبرة تنظيمية تفيده في إدارة حملته الحالية. ويبدو ساندرز من المرشحين القلائل الذين يجعل ترشيحُهم السباق الانتخابي يدور حول البرامج أكثر من الأشخاص، فشهرته أنه مرشح يساري النزعة، وهو ما يتضح من إلقاء نظرة أولية على أهم عناصر برنامجه الذي يتضمن تأميناً صحياً للجميع، وإلغاءً للديون الطبية والدراسية، ومجانيةً للدراسة الجامعية، وضريبة على الثروة.. وغير ذلك. ولا شك أن هكذا برنامج يكسبه دعماً من قواعد اجتماعية معينة، فكما كان لترامب في الانتخابات السابقة «قاعدته البيضاء» لابد وأن يكون لساندرز مؤيدوه من الطبقات الوسطى والأدنى، وكما صرّح أحد الناخبين: «أعتقد أن الناس في الولايات المتحدة سيلتفون حول رسالة ساندرز الداعمة للكادحين في البلاد.. كلماته تجد صدى لدى الناس من جميع الأعمار». ويقول ساندرز نفسه: «سبب ثقتي في الفوز أن لدينا قاعدة شعبية غير مسبوقة تضم الملايين من الناس وتمتد بين ساحلي البلاد، والسبب في فوزنا أن حراكنا خليط غير مسبوق من مختلف الأعمار والأعراق».
غير أن ما سبق لا يعني أن طريق ساندرز، سواء للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي أو بمقعد الرئاسة، سوف يكون مفروشاً بالورود، فثمة عقبات ثلاث رئيسية تقف في طريقه؛ لعل أولاها وأهمها أنه يواجه معارضة شديدة من داخل «مؤسسة» الحزب، وهو متهم بأنه لم يدخل الحزب إلا ليفوز بالترشيح، فكأنه (مع الفارق) يشبه ترامب الذي لم ينتم للحزب الجمهوري إلا بالاسم وبنى حملته على أساس أنه أتى ليخلص الشعب الأميركي من سطوة «المؤسسة»، ومع ذلك فإن اجتياز هذه العقبة شأن شعبي؛ بمعنى أنه مرهون بقدرة ساندرز على إقناع ناخبي الحزب. أما العقبة الثانية فتتمثل في أن توجهاته تثير القلق داخل الطبقة الثرية في المجتمع الأميركي بأسره، كما أن وعوده بالتأمين الصحي تصطدم بمصالح معينة، وهي عقبة يقابلها أن هذه التوجهات ذاتها تكسبه تأييداً من الطبقات الوسطى والأدنى. ويُلاحظ أن الملياردير مايكل بلومبيرج قد تجنب خوض الجولات الأولى حتى الآن، وثمة من يرى أنه يدخر موارده وجهده للجولات الحاسمة القادمة، ويرى بعض أنصار ساندرز أن دخول بلومبيرج السباق في مصلحة ساندرز، لأنه سيمنحه الفرصة لمزيد من توضيح أفكاره. وأخيراً العقبة الثالثة، وتتعلق بتقدمه في العمر، فهو في الثامنة والسبعين، وأكثر من هذا أنه سبق وأن أصيب بأزمة قلبية في بدايات حملته الانتخابية، وإن تعافى منها سريعاً، وسوف يسهل على خصومه أن يقولوا متظاهرين بالبراءة: نعم هو رجل جيد، لكن صحته لن تحتمل أعباء المنصب. وسوف تزداد أهمية هذه العقبة، دون شك، إذا عاودته الأزمة مع احتدام الحملة الانتخابية.
لا شك في أن نتائج الانتخابات التمهيدية يوم «الثلاثاء الكبير»، بعد أسبوع واحد من الآن، سوف تكون حاسمة لمستقبل ساندرز، فلو حافظ على تقدمه فيها، فسوف يصبح من شبه المؤكد أن يفوز بالترشيح، وإن خسر فسوف تبتعد المعركة عن الحسم وتزداد اشتعالاً. وفي حالة فوز ساندرز بترشيح حزبه، فسوف يكون عليه أن يخوض معركة ضارية ضد الرئيس الحالي، الذي يتمتع بدوره بقاعدة تأييد قوية، ويستند إلى إنجازات اقتصادية واضحة، وسوف تكون نتيجة المعركة شديدة الدلالة بالنسبة لمستقبل الولايات المتحدة.