«إن طريق بناء دولة الاتحاد لم يكن سهلاً أو ميسراً بل كان مملوءا بالعقبات والتحديات التي واجهها آباؤنا وأجدادنا بكل عزيمة وإخلاص وإيمان حتى تركوا لنا وطناً عزيزاً وموحداً نباهي به الأمم ويحتاج منا إلى المزيد من العمل والجهد والتكاتف للحفاظ عليه وصيانة مكتسباته وتحصينه ضد مصادر التهديد والخطر مستلهمين من الآباء المؤسسين إيمانهم المطلق بأن شعباً موحداً وملتفاً حول قيادته لا يمكن لأي تهديد أن ينال منه ولا لأي تحد أن يوقف مسيرته نحو المستقبل».
تلك هي مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تضع بكلمات مختصرة وشاملة دولة الإمارات العربية المتحدة على طريق التميز والتفوق برغم كافة التحديات سواء تلك التي واجهتها في بداية تأسيس دولة الاتحاد حتى الآن أو التي سوف تحدث في المستقبل. ولقد استحضرت تلك المقولة عند قراءتي لإصدار متميز بعنوان (مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة – نظرة مستقبلية) للأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، وهو من أفضل المؤلفات ذات الطابع الاستراتيجي، التي تم نشرها حول التحديات المستقبلية التي قد تواجه دولة الإمارات.
ويعرض المؤلف في مقدمة الإصدار للثورات الثلاث العلمية الرئيسية التي شهدها القرن العشرين وتمثل المدخل للتطورات الكبرى التي سيشهدها القرن الحادي والعشرون. وتلك الثورات هي الكم، التي تفسر معرفة طبيعة المادة وخصائصها، والحاسوب والخريطة الوراثية. ويؤكد الباحث أن دولة الإمارات العربية المتحدة استفادت من تلك الثورات بدرجة كبيرة، ولكن المستقبل يفرض علينا ضرورة امتلاك الوسائل والقدرات لإحداث التغيير والتأثير في الآخرين. ثم ينتقل المؤلف لاستعراض أبرز التحديات الحالية والمستقبلية حيث يأتي تحدي العولمة في مقدمتها ويعرض السويدي لأبرز المفاهيم والقضايا الخاصة بذلك التحدي. وفي هذا الإطار، يشرح المؤلف مفهوم العولمة وآلياتها ومظاهرها التي تتضمن الشركات العابرة للقوميات ومنظمة التجارة العالمية والمحكمة الجنائية الدولية ثم تأثير العولمة في سيادة الدولة والثقافة ويختم هذا المحور باستعراض هيمنة القطب الواحد على العالم وهو الولايات المتحدة الأميركية ونتائج تلك الهيمنة.
ثم ينتقل الباحث لاستعراض التحديات الداخلية المرتبطة بمتغيرات وتطورات البيئة الدولية التي قد تواجه مجتمع دولة الإمارات، وتنقسم لتحديات التنمية السياسية وتطوير البنية الاقتصادية والموارد البشرية. فعلى صعيد تحديات التنمية السياسية، يؤكد السويدي أنه على الرغم من تحقيق الدولة تحولات وإنجازات ضخمة تتلاءم مع المصلحة الوطنية والحفاظ على الاستقرار والأمن الداخلي، فإن المسيرة ما زالت تتطلب المزيد من التركيز على توسيع مشاركة المرأة ومساهمتها في صياغة المستقبل ومواصلة التحول نحو الحياة المؤسساتية لكي يشارك جميع المواطنين في إدارة مجتمعهم وتطويره. وفي جانب التحدي الخاص بتطوير البنية الاقتصادية، يؤكد الباحث على ضرورة تطوير اقتصاد الإمارات وإعادة هيكلته من ناحية إصدار التشريعات اللازمة لتنظيم سوق العمل وتنويع القاعدة الاقتصادية وتسريع عملية الانتقال إلى عالم الاقتصاد المبني على المعرفة من خلال التركيز على بناء رأسمال بشري قادر على التعامل مع تحديات الاقتصاد الجديد، ثم ينتقل السويدي لمناقشة التحدي الثالث الاستراتيجي وهو تنمية الموارد البشرية، والتي تمثل حجر الأساس لمواجهة التحديات الاقتصادية في جوانب تطوير التعليم والبحث العلمي ومواجهة الخلل في التركيبة السكانية التي سيكون لها الكثير من الآثار السلبية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
تلك هي التحديات التي يراها الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي قد تواجه مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تستوجب ضرورة الاهتمام بها ووضع سيناريوهات التعامل معها لكي تستمر مسيرة التنمية والإنجازات الشامخة التي يحققها مواطن الإمارات في مختلف المجالات.