يتوقع أن يعقد البرلمان العراقي اليوم الاثنين جلسة استثنائية لمنح الثقة لحكومة محمد توفيق علاوي، رئيس الوزراء المكلف في الأول من فبراير الجاري بعد توافق الكتل السياسية بمباركة من مقتدى الصدر و«تحالف البناء» بزعامة هادي العامري. ورغم أن الحكومة ستكلف لعام واحد فقط وستكون مهمتها الإعداد للانتخابات المقبلة، فإن الصراعات السياسية التي ظهرت جلية على الساحة تشير إلى أهمية الحكومة والمناصب الوزارية لدى القوى السياسية المهيمنة، بعيداً عن مطالب الاحتجاجات التي تشهدها بغداد ومدن الجنوب منذ مطلع أكتوبر الماضي، والمطالِبة بإجراء انتخابات مبكرة وبمحاربة الفساد. وستعقد الجلسة بناءً على طلب رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي الذي استقال من منصبه في ديسمبر الماضي. وأعلنت بعض القوى النيابية رفضها المشاركة في جلسة منح الثقة لحكومة علاوي، من أبرزها كتلة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، فيما لا يزال موقف الحزبين الكرديين الرئيسيين («الاتحاد الوطني الكردستاني» و«الحزب الديمقراطي الكردستاني») غير مؤكد لغاية الآن. لكن فمن الواضح مدى حساسية توزيع المناصب الوزارية بالنسبة للأحزاب السياسية المهيمنة. وقد هدد الصدر بتنظيم تظاهرة «مليونية» واعتصامات حول المنطقة الخضراء حال فشل البرلمان في تمرير حكومة علاوي. وغرد الصدر قائلا: «إذا لم تنعقد الجلسة خلال هذا الأسبوع، أو إذا انعقدت ولم يتم التصويت على كابينة عراقية نزيهة، أو إذا كانت الكابينة ليست مع تطلعات المرجعية والشعب، فهذا يستدعي الخروج لمظاهرة مليونية شعبية من دون عناوين جهوية». فهل يمكن تشكيل حكومة بمعزل عن سطوة القوى الحزبية التي ترسخت ممارساتها كتزوير الانتخابات والتلاعب بالنتائج وبيع وشراء المناصب.. منذ أول انتخابات بعد عام 2003؟ وهل من الواقعية اليوم الحديث عن انتخابات عادلة ونزيهة تعبّر عن الشارع العراقي وتعكس مطالب المتظاهرين الشباب؟
تتواصل التظاهرات والاحتجاجات الشبابية في المدن العراقية (حيث قُتل نحو 550 شخصاً) ضد منظومة الفساد ونظام المحاصصة الطائفية، وتوسعت مطالب المتظاهرين إلى الدعوة لرحيل الطبقة السياسية عن الحكم، وطرد القيادات السياسية ذات الولاء الخارجي. ويتهم المتظاهرون الميليشيات الطائفية المسلحة بقمع الاحتجاجات واستهداف المدنيين بالقتل والاختطاف، فيما بدا الشارع العراقي يتحدث عن وجود «صفقات سياسية» للاستحواذ على مناصب وزارية، كما أخذ مجلس القضاء الأعلى يحقق في مزاعم قيام أطراف بدفع مبالغ طائلة لقاء «بيع وشراء» وزارات ومناصب في الحكومة المرتقبة بعد أن صرح «إبراهيم الصميدعي» لوسائل الإعلام بعرض أموال مقابل تولي مناصب في الحكومة المزمع تشكيلها، قائلاً إن 30 مليون دولار عرضت عليه من أجل حجز وزارة لجهة معينة. كما نشر النائب كاظم الصيادي، المنتمي لقائمة «دولة القانون» بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، تغريدة ذكر فيها أن وزارات العراق للبيع، وحدد أسعار بعضها.
يعاني العراق من أزمتين سياسيتين رئيسيتين، الأولى (وهي الأخطر) انهيار شرعية الطبقة السياسية الحاكمة منذ عام 2003، والثانية تعاظم النفوذ السياسي والعسكري للأحزاب والمليشيات ذات الولاء الخارجي.. وكل ذلك يؤدي إلى ضبابية المستقبل السياسي للعراق كدولة موحدة، ويطرح من جديد إشكالية المواطنة للطبقة السياسية المسيطرة على مفاصل الدولة. وما زالت حركة الاحتجاجات منذ انطلاقتها في أكتوبر الماضي وإلى يومنا هذا لا تملك قيادات واضحة وهو تحد سياسي حقيقي لاستمرار الحركة دون أن يتم امتطاؤها واستغلالها من قبل القوى المتواجدة على الساحة في ظل حاجة العراق لهدم المنظومة السياسية التي تأسست بعد سقوط نظام صدام حسين.. وتلك هي المعضلة.