أدى التحقيق بشأن عزل الرئيس دونالد ترامب إلى التركيز الدولي على مجلس «الشيوخ» الأميركي، وهو مؤسسة تجتذب عادة اهتماماً أقل بكثير من الاهتمام المفترض لمراقبتها. وخلال فترات الهدوء الكثيرة التي تخللت هذه الدراما الدستورية، استعانت وسائل الإعلام بتاريخ مجلس الشيوخ المليء بالقصص المختلقة والتقاليد الغريبة كثرثرة لحشو تعليقاتها. وهذا يخلق شعوراً مطمئناً بالاستمرارية –صورة للغرفة العليا في الكونجرس كحارس ثابت، وإنْ كان غريب الأطوار، لحريات الشعب. بيد أن الكونجرس قد تغير. ونحتاج إلى اختراق سحابة من الأساطير، التي تثير الحنين إلى الماضي لفهم مدى هذا التغير.
الأسطورة الأولى: مجلس الشيوخ هو «أعظم هيئة تداولية في العالم». يردد أعضاء مجلس الشيوخ هذا الوصف، الذي غالباً ما يُعزى إلى الرئيس «جيمس بوكانان»، في الخطب والافتتاحيات، كما أنه موجود على الموقع الرسمي للمجلس. وما كان يجب لرجل يتمتع بسلطة أقل من رئيس المحكمة العليا «جون روبرتس» أن يطلق هذا الكليشيه العتيق، عندما وبّخ مؤخراً مديري مجلس النواب ومحاميّ الرئيس قائلاً: «تذكروا أين أنتم».
المشكلة الحقيقية هي أن النقاش عبارة عن رياضة تشاركية، ومعظم أعضاء مجلس الشيوخ لا ينخرطون ببساطة في ذلك: كشفت صحيفة «سي-سبان» اليومية المشهد المحرج لقاعة مجلس الشيوخ التي كانت شبه فارغة. وأحد أبرز جوانب مشهد الإقالة هو أنه جلب جميع أعضاء مجلس الشيوخ إلى المجلس في نفس الوقت، عادة ما تعتبر نفسك محظوظاً إذا وجدت ثلاثة.
كانت سمعة مجلس الشيوخ، كمجتمع عظيم للنقاش، تستند إلى حد كبير إلى قواعد تمنح أعضاءه المئة وقتاً غير محدود لمناقشة أي موضوع يختارونه‘ كما أشار مؤرخ مجلس الشيوخ «راي سموك». ولكن الطريقة الوحيدة التي من المحتمل أن ترى بها جلسة محادثات أسطورية في مجلس الشيوخ هذه الأيام، هي من خلال إعادة مشاهدة فيلم «السيد سميث يذهب إلى الكونجرس»، وذلك بفضل الهجمات الأخيرة على إعاقة القانون بالمماطلة من قبل زعماء الحزبين، الذين شعروا بالإحباط بسبب استخدام هذه الخطوة البرلمانية لمنع التصويت على التشريعات والمرشحين.
الأسطورة الثانية: مجلس الشيوخ هو أفضل نادٍ داخل بيلتواي.
اكتسبت الغرفة العليا للكونجرس سمعة كمكان رائع تتغلب فيه العلاقات الشخصية على الخلافات السياسية: فكّر في السيناتور «الديمقراطي» جو بايدن، وهو يلقي خطاباً لتأبين السيناتور«الجمهوري» السابق «ستورم ثورموند»، والصداقة الغريبة التي كانت تجمع بين السيناتور «الجمهوري» «أورين هاتش» وزميله الكندي «تيد كنيدي»، أو الصداقة التي جمعت بين «الجمهوري»جون ماكين و«الديمقراطي» جو ليبرمان. ولكن في السنوات الأخيرة، لم تكن الروابط بين هؤلاء «العمالقة القدامى» كافية لتهدئة سخط الأمة.
وربما كانت نوبة الحزن غير العادية التي شعر بها أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، عندما اندلعت أخبار عن إصابة كنيدي بالسرطان عام 2008 كانت ترجع جزئياً إلى أن الأعضاء شعروا بنهاية هذه الحقبة. والآن أصبح كل حزب متصلباً في صوامع أيديولوجية يوجد بداخلها علامات تجارية شخصية محمية بشكل ينم على الحسد. بالنسبة لأعضاء مجلس «الشيوخ» أمثال «الجمهوريين» «راند بول» و«تيد كروز»، والمستقل «بيرني ساندرز»، فإن أهم العلاقات هي تلك التي مع قواعدهم السياسية المتحمسة. أما الروابط بين الزملاء، في عصر العمل ثلاثة أيام فقط في الأسبوع في واشنطن، فهي غير موجودة تقريباً.

يعد «بايدن» العلامة الأكثر وضوحاً على تحطم هذه الروابط: فبعض أعضاء مجلس الشيوخ الذين خدموا معه وأبدوا إعجابهم به، يحثون الآن على إحضاره هو وابنه أمام المجلس لإجراء استجواب عام.

الأسطورة الثالثة: مجلس «الشيوخ» قديم الطراز ومتكلّف
صحيح أن 48 مقعداً من مكاتب المجلس الخشبية تعود إلى عام 1819. وصحيح أن أحدها يوصف بأنه «مكتب الحلوى» لأن السيناتور «الجمهوري» «جورج ميرفي» هو أول من بدأ بالاحتفاظ بالحلوى المخبأة هناك قبل أكثر من نصف قرن. كما أن القواعد تنفذ إجراءات شكلية غريبة. فأعضاء مجلس الشيوخ يشيرون إلى بعضهم البعض بصيغة الغائب: «السيناتور المتميز من نيويورك» أو «صديقي من ألاباما». لكن هذا لا يعني أن الاحترام لا يزال سائداً. فمجلس «الشيوخ» به أطباق قمر صناعي على السطح، حيث يستفيد الأعضاء بكل ما توفره من تكنولوجيا لإثارة المشاعر.
الأسطورة الرابعة: يعمل مجلس «الشيوخ» كمراقب على السلطة التنفيذية.
قرب نهاية فترة عمله في مجلس «الشيوخ»، اعتاد «روبرت بيرد» على ترديد أنه في حين أنه خدم مع 11 رئيساً، إلا أنه لم يكن تحت إمرة أي منهم. وقد قام مجلس الشيوخ مؤخراً ببعض التحركات نحو استعادة صلاحيته الدستورية، بموجب المادة الأولى التي تخول له مراقبة السلطة التنفيذية، مع جهد من الحزبين لمناقشة قرار جديد بشأن سلطات الحرب ونبذ مفاتحات إدارة ترامب المستمرة على السعودية.
هذا لا يقارن بالتحديات السابقة للبيت الأبيض. ومن الصعب تخيل عضو من حزب الرئيس يُطلق طعناً على سياسته الخارجية، كما فعل «ويليام فولبرايت» في جلسات الاستماع التي شككت في محاكمة الرئيس «ليندون جونسون» بشأن حرب فيتنام. وحتى الأكثر غرابة: فكرة أن يدعو وفد من كبار «الجمهوريين الرئيس إلى الانسحاب، كما فعل أعضاء مجلس الشيوخ «الجمهوريون» الذين سلموا للرئيس «ريتشارد نيكسون» رسالة بأنه يتعين عليه الاستقالة.
الأسطورة الخامسة: مجلس «الشيوخ» هو هيئة تمثيلية.
من الطبيعي أن يفترض معظم الأميركيين هذا. على أي حال، لقد تمكنا من التصويت لصالح أعضاء مجلس الشيوخ منذ التصديق على التعديل السابع عشر في عام 1913، وتلاميذ المدرسة يتعلمون أن المواطنين يختارون أعضاء السلطة التشريعية لتمثيلهم.
لكن مجلس «الشيوخ» لم يُصمم إطلاقاً ليكون «ديمقراطياً» مثل مجلس النواب. وبما أن كل ولاية، بغض النظر عن عدد سكانها، تحصل على صوتين في مجلس الشيوخ، فإنه الفرع التشريعي الوحيد في البلاد غير المنظم وفقاً لمبدأ «شخص واحد، صوت واحد». ولا يزال سكان الولايات المتحدة مركزون في المناطق الحضرية الساحلية، وبالتالي فإن الاختلال السياسي يزداد نمواً. والولايات التي تمثل 18% من السكان تنتخب الآن أغلبية مجلس الشيوخ.
*رئيسة قسم دراسات الصحافة الحرة في كلية ميسوري للصحافة، وعضوة سابقة في لجنة المراسلين الدائمة بالكونجرس
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»