يحظى موضوع تأهيل المواطنين وتمكينهم من امتلاك ناصية العلوم وأسباب المعارف وتطوير مهاراتهم وقدراتهم في شتى الميادين، باهتمام بالغ وعناية كبيرة على مختلف مستويات صناعة القرار في الدولة، وذلك التزاماً بتوجيهات القيادة الرشيدة ورؤيتها التي تضع الإنسان على رأس الأولويات باعتباره الركيزة الأساسية لبناء الوطن وتحقيق النهضة المنشودة والغاية النهائية من كل المشاريع والمبادرات التنموية. وحتى يكون التأهيل متكاملاً وشاملاً ويحقق النتائج المتوخاة، وعلى رأسها أن تكون الكفاءات الإماراتية قادرة على المنافسة والتفوق على الصعيدين المحلي والعالمي، فقد كان لابدّ أن يتم وفق خطط ومنهجيات محكمة تعمل بشكل يواكب أحدث التطورات العالمية وتتدرّج مع الإنسان عبر المراحل العمرية والتعليمية كافة وتربط ما بين النظري والتطبيقي، بحيث تصبح العلوم والمهارات جزءاً من شخصيته الأكاديمية وجانباً من سلوكه العملي.
مبادرات عدة أطلقتها دولة الإمارات في هذا المجال وعلى المسارين التعليمي والعملي، من بينها مجلس التعليم والموارد البشرية، الذي يتمحور دوره حول دعم الكوادر البشرية في دولة الإمارات منذ مرحلة الطفولة المبكرة وحتى الوظيفة، بما يضمن تأهيلها بالعلم والمعرفة والجاهزية العالية لتحديات المستقبل، خصوصاً في ظل التطورات المتسارعة والطفرات الهائلة التي يشهدها عالمنا اليوم، والتي يتطلب استيعابها والتعامل معها وتطويعها لخدمة الوطن وإنسانه كفاءات ومهارات متقدمة وقدرات استثنائية وسعة اطلاع ومتابعة دائبة لكل ما يستجد ويستحدث.
سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، رئيس المجلس أكد خلال ترؤسه اجتماعه الأخير الذي عقد يوم الاثنين الماضي، أن عام 2020 يمثل مرحلة جديدة في مسيرة الوطن، وفرصة مهمة لكل أفراد المجتمع للتكاتف والعمل الجاد والمخلص من أجل رفعته، وأن المجلس سيعمل خلال المرحلة المقبلة على استقطاب أفضل الكفاءات والخبرات العالمية للعمل في الدولة وتأهيل الكوادر الوطنية لخدمة مختلف القطاعات الحيوية داخل الدولة وإمداد الهيئات الاتحادية والحكومية المحلية والقطاع الخاص بالكوادر البشرية المؤهلة، بالإضافة إلى تنمية المجالات الحيوية مثل ريادة الأعمال وتعزيز ملف البحث العلمي بأحدث التقنيات في مجالات متنوعة مثل التعليم والطاقة والبيئة والاستدامة، وغيرها من القطاعات الحيوية لرفد الاقتصاد الوطني.
إن تحقيق هدف التمكين والتأهيل والجاهزية لا يقع فقط على عاتق المجلس على الرغم من أهمية دوره القيادي، بل يتطلب تضافر جهود كل المؤسسات المعنية في القطاعين الحكومي والخاص، لغرس ثقافة التعلم واكتساب المهارات المعرفية والحياتية لدى الأجيال القادمة، وكذلك مساعدتها في توجيه طاقاتها واستثمار قدراتها في المجالات الأنسب والأكثر ملاءمة، بالإضافة إلى توفير الفرص التدريبية والعملية وفتح المجال أمام الشباب لتولي زمام الفعل والمبادرة، كما يتطلّب من الشباب الحرص على الجد والاجتهاد، واستثمار كل الفرص الثمينة التي تتيحها لهم الدولة في الداخل والخارج لاكتساب المعرفة ونقلها إلى أقرانهم. نموذج متكامل ومثال يحتذى به في بناء الإنسان ترسي دولة الإمارات أركانه يبدأ مع المواطن منذ نعومة أظفاره ويغرس لديه أسس التميز والإبداع، ويتواصل معه في مراحل الدراسة كافة لتأهيله لاستيعاب متطلبات عصر المعلومات والتكنولوجيا من خلال إدخال المنظومات الإلكترونية في التعليم ومحاكاة المهارات المطلوبة منه في المستقبل، فضلاً عن مختلف الوسائل والتقنيات التعليمية التفاعلية، التي لا شك ستنعكس بشكل كبير على قدراته وستمكّنه من مجاراة وتطويع المستجدات والتعامل معها والاستفادة منها بسهولة ويسر.
بهذا النموذج وبهذه الهمة العالية تطرق دولة الإمارات أبواب المستقبل وتسير بخطوات واثقة نحو تحقيق أهدافها، وفي مقدمتها أن تكون واحدة من أفضل دول العالم وهي تحتفل بعامها الخمسين، معتمدة في ذلك على عقول ومهارات وسواعد أبنائها، حيث تستثمر وتسخر كل الإمكانات في سبيل إعدادهم ليكونوا متمكنين من مهارات العصر مؤهلين لاستشراف المســتقبل وواعين لمتطلبات الحياة ومسـتجداتها، وبالتالي قادرين على تحقيـق متطلبات اقتصاد المعرفة والتنمية المستدامة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.