«نيال فيرجسون»، مؤرخ بريطاني شهير وأستاذ في جامعتي «هارفارد» و«أكسفورد»، له مؤلفات تتميز بالرصانة العلمية والأكاديمية، منها كتابه القيم «الحضارة: كيف هيمنت حضارة الغرب على الشرق والغرب». في هذا الكتاب يقدم فيرجسون خلاصة فكره ورؤيته التي استنتجها من دراسته الطويلة والعميقة لتاريخ حضارات العالم بين القرنين الخامس عشر والعشرين، مركزاً في استنتاجاته على فهم الأسباب التي جعلت بعض الإمبراطوريات تصعد وتهيمن وتسود حضارياً على بقية العالم، ثم تأفل وتنهار، وهو بذلك يحاول تفسير تاريخ العالم من خلال ظاهرة الهيمنة والأسباب التي جعلت دولا تصل إلى أعلى مستويات القوة ثم تنهار، ليثير بعض التساؤلات من قبيل: هل كان صعود الغرب مجرد حظ حسن؟ وهل يرجع إلى جغرافيا ومناخ الطرف الغربي من الأرض؟ وما هي الوسائل التي جعلت الأوروبيين أقوياء؟ ولماذا لا يستطيع الآسيويون والأفارقة تحقيق تطور مماثل في وقته؟ وكيف تخلف العالم الإسلامي في ميدان العلم، رغم حضارته التي كانت تمتد إلى بقاع واسعة من المعمورة وكان يمتلك كل مقومات القوة والتقدم.
وحاول فيرجسون أن يضعنا في صورة المشهد الحضاري بين الغرب والعالمي الإسلامي أمام نوع مقارناً بين ما كان عليه الغرب وما كان عليه العالم الإسلامي حتى وقت قريب، حين كانت الكثير من البلاد العربية تمتلك نقاط قوة أهمها الثروة والموارد الهائلة، ومستوى جيداً من الخبرة والتدريب، والروح العسكرية، وبعض الانتصارات السابقة، علاوة على روح النظام والانضباط، مقابل ما كانت عليه أوروبا من عادات مترفة وموارد ناضبة وروح معنوية هابطة ونفسية عسكرية تميل إلى التمرد، فضلاً عن الصراعات الداخلية وانغماس القادة في أجواء المجون والملذات. ومن خلال هذه المقارنة أرجع فيرجسون أسباب التفاوت المذكور إلى عاملين رئيسيين:
أولهما: يتعلّق بمسألة الجغرافيا والمناخ، وعلل ذلك بأن آسيا لا تمتلك منطقة معتدلة، كما أن البلدان الواقعة في مناطق مناخية شديدة البرودة تجاور مناطق شديدة الحرارة، والبلدان القوية في آسيا تقف ضد البلدان الضعيفة، والسكان المحاربون والشجعان والنشطاء يحتكون مباشرة بأولئك الكسالى الضعفاء، أما في أوروبا فكانت الدول القوية تواجه دولا مثلها، كما كانت الدول تتحد مع دول أخرى مماثلة لها.
أما العامل الثاني: فهو التطورات التي وصل إليها العقل الأوروبي وأهمها: التعمق في العلوم وروح البحث والاستكشاف وفهم العالم الطبيعي (التقدم في الطب وإدخال تحسينات مهمة على الصحة)، وتطوير البحث الفكري والطرائق العلمية في التحقيق وعقلنة البحوث ونشرها والتفوق الحربي نتيجة لتطبيق العلوم على المجهود الحربي والعقلانية في الحكم وتطوير مؤسسات السلطة.
ويستنتج المؤلف من ذلك أن صعود العالم العربي الإسلامي كان يحتاج إلى جهد علمي أكثر من ذلك، قبل أن يتحدث عن مخاوف من الانهيار المقلق لمثقفي الغرب ومفكريه.

*كاتب إماراتي