على جزيرة قبالة الساحل الغربي لأستراليا توجد منشأة صناعية عملاقة أنشئت من أجل إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال.
المسافة من سطح المحيط إلى قاع أحد خزانات الغاز تناهز خمسة أضعاف ارتفاع أعلى مبنى في العالم. وكمية خط أنابيب الفولاذ المستخدمة تكفي لتصل مقاطعة كولومبيا بمدينة نيويورك ذهابا وإيابا. وكل واحد من ناقلات النفط المبردة التي تنقل الغاز الطبيعي المسال إلى الأسواق الخارجية كبيرة بما يكفي لحمل ما يعادل 72 مسبحاً أولمبياً.
المنشأة التي تسمى «غورغون»، نسبة إلى المخلوق الأسطوري الإغريقي الذي يشبه ثعبانا بشعر يملك القدرة على تحويل الناس إلى حجارة، ساعدت أستراليا على تجاوز قطر كأكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم.
غير أن التحفة الهندسية التي تبلغ كلفتها 54 مليار دولار والتي تشغّلها شركة «شيفرون» الموجود مقرها في كاليفورنيا تطرح معضلة مناخية. ففي بلد يعاني من حرائق غابات ضخمة يُنظر إليها على نطاق واسع على أن لها علاقة بتغير المناخ، يرمز مشروع «غورغون» إلى صفقة للبلاد مع قطاع الوقود الأحفوري.
ووفق «إدارة معلومات الطاقة» الأميركية، فإن صادرات الغاز الطبيعي المسال الأسترالية، التي تضاعفت بأكثر من أربع مرات منذ 2011، تذهب بشكل رئيسي إلى اليابان والصين وكوريا الجنوبية.
التأثيرات المناخية لتلك الصادرات مختلطة. فخلال الاحتراق، يُصدر الغاز الطبيعي نحو نصف كمية الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي يُصدرها الفحم. ولكن التسربات من صمامات فوهة البئر وأنابيب النفط ومعدات التسييل تعوّض معظم الفرق.
وإضافة إلى ذلك، فإن إمدادات الغاز الطبيعي المسال أدت إلى خفض سعر الغاز. وهذا يساعد على خفض سعر الفحم، ولكنه يحفز زيادة الطلب على الطاقة الملوِّثة بشكل عام.
وفي هذا الإطار، يقول «بافل مولشانوف»، محلل شؤون الطاقة بشركة الاستثمارات الأميركية «ريموند جيمس»: «إن الغاز الطبيعي المسال يساعد على تقليص كمية الكربون التي ينتجها الاقتصاد الصيني والاقتصاد الكوري لأن هذين البلدين يستوردان كميات متزايدة من الغاز الطبيعي المسال، ويقومان باستبدال محطات توليد الكهرباء التي تشتغل بالفحم».
ومن جانبه، يقول «جايسون بوردوفش»، المدير المؤسس لـ«مركز سياسة الطاقة العالمية» التابع لجامعة كولومبيا: «إن زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال تساعد على جعل سعر الغاز أرخص»، مضيفاً: «وهذا مفيد إذا كنت تريد استبدال الفحم، وغير مفيد إذا كنت تريد إضعاف اقتصادات الطاقات المتجددة والطاقة النووية».
وإلى ذلك، تمنح صادرات الغاز الطبيعي المسال الاقتصادَ الأسترالي دفعة قوية. فعلى مشروع «غورغون» فقط، أنفقت شركة «شيفرون» وشركاؤها أكثر من 40 مليار دولار على السلع والخدمات الأسترالية ومنحت أكثر من 700 عقد لشركات أسترالية. وبشكل عام، تشكّل صادرات الغاز الطبيعي المسال نحو 2.5 في المئة من الاقتصاد الأسترالي.
وفي هذا الصدد، يقول «بول جيلدينج»، الذي كان رئيسا لمنظمة (السلام الأخضر)، والذي يعمل حالياً أستاذاً بجامعة كامبريدج ويعيش في جزيرة/ولاية تاسمانيا:«النقاش الأسترالي تهيمن عليه حالياً فكرة أن فعل شيء ما من أجل تغير المناخ سيئ لاقتصادنا».
ولكن جيلدينج، المستشار الذي ينصح الشركات بخصوص تغير المناخ، ومراقبون سياسيون آخرون يقولون إن حرائق الغابات المدمرة ستغير أفكار الناس حول الاقتصاد وتغير المناخ من خلال الإضرار بالقطاع السياحي، وتعطيل أجزاء أخرى من الاقتصاد. كما يعتقدون أن الحرائق ستربط الوقود الأحفوري أكثر بانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
رئيس الوزراء الأسترالي سْكوت موريسون وآخرون يدافعون عن قطاعي المناجم والغاز، فيقولون إن البصمة الكربونية للبلاد صغيرة نسبياً. وبالمقابل، يقول «اتحاد العلماء القلقين» إن أستراليا تشكّل 1 في المئة من الانبعاثات العالمية.
ولكن أستراليا، التي تُعد أيضاً أكبر مصدّر للفحم في العالم، شهدت ارتفاعاً في انبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري نتيجة توسع الغاز الطبيعي المسال. فوفق تقرير حكومي حول الغازات المسببة للاحتباس الحراري بتاريخ أغسطس 2019، فإن انبعاثات البلاد ازدادت بـ0.6 في المئة في وقت قفز فيه إنتاج الغاز الطبيعي المسال بـ19 في المئة. وإضافة إلى ذلك، تتواصل أشغال بناء رصيف كبير لتصدير الفحم على الساحل الشمالي الشرقي، حيث سيتم تصديره إلى الهند.
ويشدد «بوردوفش» على ضرورة أن تولي الحكومة الأسترالية اهتماماً أكبر إلى هذه الأرقام الداخلية إذ يقول: «إن الحكومة الأسترالية بصدد الانسحاب من الإجراءات الكفيلة بتقليص انبعاثاتها وبصدد الانسحاب من لعب دور قيادي بخصوص إقناع بلدان أخرى، مثل الهند، بضرورة اتخاذ إجراءات سريعة في اتجاه إنتاج قدر أقل من الكربون». وبدلاً من ذلك، اتفقت الولايات المتحدة والبرازيل وأستراليا، في مؤتمر تغير المناخ الأخير في مدريد، على إضعاف الجهود الرامية إلى إبطاء تغير المناخ.
وقال «بوردوفش» إن موقف أستراليا يجعل تغير المناخ «مشكلة عمل جماعي صعبة»، مضيفاً أن «البلدان لن ترفع طموحها إذا لم تر آخرين يفعلون ذلك أيضاً». غير أن «جيلدينج» يرى أن القلق المتزايد بشأن تغير المناخ سيُضعف الرغبة في كل أنواع الوقود الأحفوري، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال إذ يقول: «عندما تغير ذلك، يتغير النقاش»، مضيفا «أعتقدُ أن ذلك سيغيّر السياسة، إذ سيصبح من الخطر الاستثمار في شركات الفحم والغاز الطبيعي المسال أو إقراضها، كما ستكون ثمة جهود من قبل النشطاء ضد البنوك والممولين حتى لا يتعاملوا مع تلك الشركات». وقال جيلدينج: «إن تلك المشاريع لن تتوقف بسبب تغير المناخ وإنما بسبب تغير السوق».
*صحافي أميركي متخصص في قضايا الطاقة
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»