لآلاف السنين، لعبت بلدان الشرق الأوسط، بما في ذلك المغرب العربي ومنطقة الشام وشبه الجزيرة العربية وإيران، دوراً أساسياً في تطور الحضارة الإنسانية، ومنذ بداية القرن العشرين، تزامن اكتشاف كميات ضخمة من النفط في المنطقة، مع تطور أنظمة النقل الحديثة. فالسيارات والشاحنات والدبابات، إضافة إلى السفن الحربية والطائرات، جميعها كانت تشتغل بوساطة محركات الاحتراق الداخلي، التي كانت تعتمد على النفط المكرر، ولهذا، أصبح الوصول إلى مصادر النفط الرئيسية عنصراً محورياً في التخطيط الاستراتيجي للقوى العظمى. وكانت لكل من روسيا والولايات المتحدة احتياطاتهما النفطية الكبيرة، لكن القوى الأخرى، وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان والصين، لم تكن لديها أي مصادر نفطية مهمة خاصة بها، ولهذا السبب، أصبح الوصول إلى الشرق الأوسط عاملاً رئيسياً في الحسابات الجيوسياسية العالمية.
ومنذ عام 1945، ازداد نفط الشرق الأوسط أهمية، وبُذلت جهود كبيرة من قبل كل من منتجي هذه المادة ومستهلكيها، من أجل تأمين وصول مضمون إليها، وكان كابوس الحكومات المعتمدة على بيع النفط وشرائه، هو النزاع العسكري الذي كان يشمل الاستهداف المتعمد لأنظمة استخراج النفط وتوزيعه عبر المنطقة، وقد شكّلت حربُ ناقلات النفط بين العراق وإيران في منتصف الثمانينيات، والهجماتُ الأخيرة على منشآت نفطية، حوادث خطيرة كان يمكن أن تكون أكثر ضرراً، ويمكن القول إنه طالما ظل نفط الشرق الأوسط حيوياً بالنسبة للاقتصاد العالمي، فيجب أن تظل الوقاية من هجمات مستقبلية أولوية للمجتمع الدولي.
غير أن النفط ليس المنتَج الوحيد الذي يُعد حيوياً وعرضة لهجوم عسكري، فسكان الشرق الأوسط المتزايدون، والزيادة الموازية في النشاط الاقتصادي، زادا بشكل دراماتيكي من الطلب على الماء الصالح للشرب، وإذا كان لدى المنطقة كثير من النفط، فإن الوصول إلى الماء العذب بات مكلّفاً على نحو متزايد، وخاصة بالنسبة لتلك البلدان التي لديها موارد طبيعية مائية قليلة مثل المياه الجوفية والأنهار والبحيرات، والواقع أن كل بلدان شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج تواجه تحديات كبيرة في تلبية الطلب الداخلي على الماء الصالح للشرب، وخاصة تلك البلدان التي تعتمد على استقبال أعداد كبيرة من المسافرين مثل السياح والزوار والمقيمين، وفي هذا الإطار، استثمرت بلدان المنطقة بشكل كبير في محطات حديثة لتحلية مياه البحر، وتتراوح نسبة المياه الصالحة للشرب التي تأتي من تحلية مياه البحر بين 86 في المئة بالنسبة لعُمان، و60 في المئة بالنسبة للكويت، ويخزن الماء في أنواع مختلفة من الحاويات، مثل أبراج المياه الشهيرة في الكويت، وقد ارتفع عدد المحطات المنتجة للمياه بشكل مذهل، علاوة على أن كل بلدان المنطقة منكبة في الوقت الحالي على زيادة عدد محطاتها الخاصة بتحلية مياه البحر، من أجل مواكبة الطلب المتزايد.
بيد أن أمن كل من محطات تحلية مياه البحر ومنشآت تخزين المياه، يمثّل مصدر قلق، نظراً لأنها عرضة لجملة من التهديدات، من قبيل تسرب النفط والتلوث، والهجمات التقليدية والسيبرانية، وكذلك الأمر بالنسبة لمحطات الكهرباء، التي تُعد أساسية لعملية تحلية مياه البحر. وفضلاً عن ذلك، فإن سعة تخزين الإمدادات المائية يبقى أقل من السعة المخصصة لاحتياطيات النفط، التي يمكن أن تخزّن بأمان عميقاً تحت الأرض، (ويذكر هنا أن الاحتياطي النفطي الاستراتيجي الأميركي لديه القدرة على استيعاب أكثر من 700 مليون برميل)، ولهذا السبب، تستثمر معظم بلدان الخليج بشكل كبير في تحسين سعة تخزين المياه، حتى تكون قادرة على توفير أكثر من بضعة أسابيع من الإمدادات المائية حال وقوع أزمة، لكن هذه المشاريع باهظة، ولئن كانت أساسية للأمن القومي والنمو الاقتصادي، فإن كلفة الحفاظ على المياه الصالحة للشرب وحمايتها، ستواصل الارتفاع إلى حين تحقق اختراقات جديدة في تكنولوجيا وكلفة تحلية مياه البحر.
وخلاصة القول، هي أن الماء مصدر استراتيجي وحيوي، وأمنه يتطلب أقصى درجات اليقظة.