يلعب نشاط الشمس دوراً حيوياً في مناخ الفضاء، مما يمكن أن تكون له تداعيات كبيرة على الأقمار الاصطناعية والهواتف المحمولة والخطوط الجوية وشبكات الكهرباء.. وبعبارة مختصرة، على أساسيات مجتمع القرن الحادي والعشرين. ففي مارس 1989، دمرت عاصفة شمسية شبكة الكهرباء في مقاطعة كيبيك الكندية، مما تسبب في فقدان معظم المقاطعة للكهرباء وفي خسائر بمليارات الدولارات.
وبعد مرور ثلاثة عقود، قد يؤدي ثوران شمسي مشابه إلى كم أكبر من الخسائر. وهناك مهمة تتكلف 1.5 مليار دولار تشترك فيها وكالة الفضاء الأوروبية وإدارة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا)، ومن المقرر أن تنطلق في الأيام القليلة المقبلة من كانافيرال في فلوريدا. وتستهدف المهمة استكشاف الفضاء والمخاطر والفرص التي ينطوي عليها. والملاحة الآمنة في النظام الشمسي العامر بالإشعاع والجزيئات شديدة الشحن، ضرورية لأي مساعٍ بشرية طويلة الأمد في الفضاء العميق.
وربما يسمح لنا فهم أكثر دقة لمناخ الفضاء، بحماية أفضل لمجموعات الأقمار الاصطناعية الجديدة، ناهيكم عن 2000 قمر اصطناعي تعمل بالفعل في الفضاء. وهذا بالإضافة إلى حماية الأنظمة المعرضة للضرر على الأرض. وذكرت ورقة بحثية صدرت عام 2014، من تأليف بيتر رايلي المشارك في التحقيق بشأن مهمة مسبار «سولار أوربيتر»، والعالم البارز في شركة «بريديكتف ساينس» لأبحاث فيزياء فضاء الشمس (ومقرها سان دييجو)، أن احتمال وقوع حدث شمسي متطرف يضرب الأرض، يقترب من احتمال حدوث فيضان مدته 100 عام، وتصل نسبة احتمال حدوثه 12% على مدار عقد. ويصنف ميزان العواصف الجيومغناطيسية في الإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي، مثل هذه الأحداث في سلم من خمس مستويات، تمثل فيه «G5» أقصى عاصفة وتكون قادرة على «شل» شبكة الكهرباء وتعطيل ملاحة الأقمار الاصطناعية.
وفيما يتعلق بتوقعات الكلفة المحتملة لعمليات تعطل مثل تلك، بلغت حصيلة الكلفة الاقتصادية لانقطاع الكهرباء في شمال شرق الولايات المتحدة في أغسطس 2003، نتيجة فيروس في برامج تشغيل المرفق، 10.3 مليار دولار، حسبما ذكرت شركة «أي. سي. إف» لخدمات الاستشارة. ولذا، هناك حجة قوية للحماية من عمليات الانقطاع في المستقبل، ناتجة عن طائفة متنوعة من الأسباب مصدرها الشمس. لكن هناك مشكلة كبيرة وحيدة، تتمثل في الغموض العلمي الكبير بشأن كيفية عمل الشمس. وذكرت نيكولا فوكس، مديرة قسم الفيزياء الشمسية في «ناسا» خلال مؤتمر صحفي يوم 27 يناير، أن «كل شيء تحركه الشمس. ولذا نريد حقاً فهم هذا النجم».
وسيصبح مسبار «سولار أوربيتر» الذي يزن 260 رطلاً فقط ويحمل 10 أدوات، أول مركبة فضاء تلتقط صوراً وتجمع معلومات عن قطبي الشمس. وسيحوم المسبار على قرب يصل 26 مليون ميل فقط من سطح الشمس. وتبعد الشمس 93 مليون ميل تقريباً عن الأرض. والمسبار سيعمل في اتساق مع مهمة أخرى لـ«ناسا» تنفذها بالاعتماد على مسبار «باركر سولار» لتوفير قياسات مكملة وسياق شامل للبيانات. ومن المقرر إطلاق «سولار أوربيتر» في هذه الأيام على متن صاروخ «أطلس في» لشركة «يونيتد لونش آلايانس»، وهو مزود بمعزز واحد قوي لتوفير الدفع المطلوب للتوجه نحو الشمس. والمسبار سيجمع بيانات، بدءاً من مايو، وتبدأ مهمته الأساسية في نوفمبر 2021.
ويبلغ عمر الشمس 4.5 مليار عام، وهي نجم قزم أصفر متوسط العمر. وبدأ العلماء يركزون انتباههم على البقع الشمسية في عام 1755 مستخدمين دورات النشاط التي مدتها 11 عاماً والتي تتراوح بين أقصى وأقل نشاط للبقع. ونشاط بقع الشمس المتزايد ينذر عادة بثوران شمسي وانبعاثات كتلة إكليلية. وهذه الانبعاثات قد تتسبب في عواصف مغناطيسية قد تؤثر على الأرض. والدورة الحالية، وهي الرابعة والعشرين التي خضعت للقياس، من أقل الدورات نشاطاً. وفي ديسمبر الماضي، توقع المركز الأميركي لتنبؤات مناخ الفضاء التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي، كثافةً متوسطة للدورة الخامسة والعشرين التي يتوقع أن تبدأ هذا العام، مما قد يتسبب في نحو 115 عاصفة شمسية. والحد الأقصى لهذه الدورة متوقع في يوليو 2025.
وأقصى تطرف شمسي ضرب الأرض وقع عام 1859، وهو الحدث الذي أُطلق عليه «كارينجتون» وتسبب في اشتعال النيران في خطوط التلغراف، وجعل أضواء الشفق القطبي الشمالي تُرى في مناطق جنوبية، بلغت حتى كوبا وأستراليا. وحدث انبعاث كتلة إكليلية بمستوى مشابه في 23 يوليو عام 2012، ورغم أنه لم يصب الأرض، فإنه مثل تحذيراً لكثيرين من كارثة اقتصادية عالمية محتملة الحدوث. بل لفت انتباه «وول ستريت» عبر إشارة بارزة في خطاب للمستثمرين عام 2014 من صندوق «ايليوت مانجمنت» للتحوط في نيويورك. وذكر رايلي، من شركة بريديكتف ساينس، أنه «لو أصاب هذا الأرض لكانت هناك عواقب كبيرة».
ويرى رايلي أنه بينما يستهدف مسبار «سولار أوربيتر» العلم دون أي وظائف مراقبة آنية، فالمهمة «ستساعدنا بشكل غير مباشر في فهم النشاط الشمسي المتطرف». ويتضمن عمل رايلي القياس المغناطيسي في المسبار الذي يقوم بقراءة مفصلة للمجالات المغناطيسية في الشمس وبالقرب منها. وهذا البحث سيزود بالمعلومات كيفية التنبؤ بالنشاط الشمسي بدقة أكبر. ومن الأهداف المحورية لمسبار «سولار أوربيتر» محاولة معرفة كيفية تشكل انبعاثات الكتل الإكليلية وكيف يجري تسارعها في الفضاء. وقال رايلي: «أنا متحمس لهذه المهمة لأنها ستجيب على بعض من أسئلة العلم الأساسية فعلا».
*صحفي متخصص في شؤون الفضاء والطيران
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»