النهضة الشاملة في دولة الإمارات، والتقدم والتطور اللذان تحققهما، يتوسعان يوماً بعد يوم ليشملا ليس فقط الجوانب التقليدية والعناصر الأساسية في بناء الدولة وتنمية المجتمع، بل يتجاوزان ذلك إلى المزاحمة على العلوم المتقدمة والمجالات غير التقليدية، على طريق الانتقال من خانة الدول النامية إلى صفوف الدول المتقدمة، والتحول من مستورد للتكنولوجيا بمختلف أشكالها، إلى منتج ومتفاعل ومتعاون ومصدّر للعلوم والتقنيات الأكثر دقّة وتقدماً وندرة على المستوى العالمي.
ويأتي دخول الدولة عصر الفضاء من أوسع أبوابه، ليترجم على أرض الواقع طموح قيادة الدولة ورؤيتها بعيدة المدى، في تنويع محتويات سلة المعارف والعلوم المتاحة لأبناء الوطن، وفتح آفاق ومجالات جديدة أمامهم، تمكّنهم من توجيه طاقاتهم وقدراتهم نحو مسارات علمية وعملية زاخرة بفرص الاستكشاف والاكتشاف، وكذلك بناء قدرات وكفاءات من أبناء الوطن، يمكن الاعتماد عليهم بشكل كامل في قيادة نهج التحول نحو اقتصاد المعرفة، والانتقال إلى اقتصاد ما بعد النفط، فضلاً عن إيجاد موطئ قدم عربي ضمن جغرافيا الفضاء الواسعة غير المحدودة.
ولأن النجاح تراكمي، فقد بدأت الإمارات مشوارها نحو عالم الكواكب والنجوم والمجرات من النقطة الأولى، لكي تستطيع إدارة هذا المشروع ذاتياً وبأيد وعقول مواطنة، ودون أن تضطر إلى اللجوء إلى خبرات وكفاءات خارجية، فكانت بواكير الفكرة، حينما تمّ إطلاق القمر الصناعي «دبي سات»، الذي أوقظ الحلم وأشعل الرغبة في أن تكون للإمارات إنجازاتها الخاصة في هذا المجال الحيوي، لتأتي الخطوة الأولى بإنشاء «وكالة الإمارات للفضاء» في عام 2014، وهي الأولى من نوعها عربياً، ثم مركز محمد بن راشد للفضاء في عام 2015، الذي حمل على عاتقه مهمة الانتقال بالرؤية والطموح من طور التفكير والتخطيط إلى التنفيذ، من خلال بناء القدرات وتجهيز الكفاءات وصناعة المعدات والأجهزة اللازمة لتنفيذ المهمة، فكان إنجازه الأول بناء القمر الصناعي الإماراتي «خليفة سات»، وإطلاقه إلى مداره بعقول وسواعد إماراتية، ثم الانتقال خطوة أخرى نحو ما هو أرحب وأكثر اتساعاً، بإطلاق برنامج الإمارات لرواد الفضاء، الذي كانت باكورته إرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية.
وجاء إطلاق مشروع «مسبار الأمل» ليعبر عن نضوج التجربة وتعمّقها، خصوصاً وأن العمل فيه منذ الفكرة وحتى إنجاز آخر جزء من أجزائه إماراتي خالص، وليشكل مصدر إلهام لشباب الإمارات والعرب، وحافزاً لهم على تبني الأفكار التي تخدم أوطانهم، وتسهم في تمكينها من العبور بثقة واقتدار نحو المستقبل، حيث تمّ تصنيع المسبار بالكامل، وسيتم إطلاقه في الصيف المقبل، ليصل إلى الكوكب الأحمر خلال العام المقبل، بالتزامن مع احتفالات الدولة بيومها الوطني الـ 50.
وقد أطلق مركز محمد بن راشد للفضاء مؤخراً، مبادرة جديدة لتمكين شباب الإمارات الراغبين في دخول مجال علوم الفضاء ودراساته، تمثلت في فتح باب التسجيل للمشاركة في أول تجربة عالمية لمحاكاة الحياة في الفضاء الخارجي، كجزء من سلسلة تجارب مشروع «البحث العلمي الدولي في المحطة الأرضية الفريدة» المعروف باسم «سيروس»، وهو ما يوفر لشباب الإمارات وفي مختلف المجالات العلمية، فرصة فريدة ليكونوا جزءاً من تجربة محورية، ستضع أسساً لتصميم وتنفيذ مهام فضائية مستقبلية، وترسم خريطة طريق لاستكشاف المريخ والكواكب الأخرى، وتسهم بشكل أساسي في تطوير القدرات المحلية، للمساهمة في تنفيذ برنامج المريخ 2117، الذي يستهدف بناء أول مستوطنة بشرية على سطح هذا الكوكب.
إنجازات الإمارات العلمية ومشاريعها الطموحة باتت محط إعجاب العالم، والنموذج الملهم الذي تتطلع الكثير من دول العالم إلى محاكاته والاستفادة منه، وبرنامجها لريادة الفضاء وامتلاك ناصية علومه، هو جزء من كل أكبر وأشمل يتناسب مع طموح وعزيمة قيادتها، وإمكانات وقدرات أبنائها التي ستجعل منها أفضل دول العالم في المستقبل القريب.
عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية