الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب، حازت على «ثقة هزيلة» بأكثرية 63 صوتاً، أي أقل من نصف مجلس النواب البالغ 128 نائباً، وهي تواجه حالياً تحديات الحصول على «ثقة الشعب» المنتفض في الشارع ضدها، وضد المنظومة السياسية الفاسدة منذ 17 أكتوبر الماضي، وكذلك «ثقة المجتمعين العربي والدولي»، التي ستساعد على تدفق المساعدات والقروض الخارجية، بدءاً من أموال «سيدر» البالغة 11.6 مليار دولار، وليس انتهاء بمساعدات برامج صندوق النقد والبنك الدوليين، فضلاً عن صناديق التمويل والدول العربية والصديقة، وكلها تؤدي إلى استعادة «ثقة» المستثمرين ورجال الأعمال اللبنانيين والعرب والأجانب.
ببساطة، الرأسمال جبان ويفتش دائماً عن الاستقرار والأمن والأمان والربح المضمون، وقد وجد ضالته في لبنان طيلة العقود الماضية، التي عززت ثقة الاستثمار في هذا البلد الصغير، حتى بلغت موجودات قطاعه المصرفي 270 مليار دولار، بما يعادل خمس مرات قيمة اقتصاده المقدر بنحو 54 مليار دولار، وهو رقم قياسي عالمي يدل على مدى «الثقة» الكبيرة التي خسرها لبنان في أيام معدودة، بعدما خسرها نظامه السياسي منذ سنوات عدة متأثراً سلبياً بنتائج انعكاس التطورات الإقليمية على استقراره الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي. وبالتحديد منذ عام 2011، عندما بدأ يتراكم العجز في ميزان مدفوعاته مع الخارج، مع تفاقم عجز الميزان التجاري وعجز مالية الدولة، واكتمل التدهور أخيراً بتدمير «الثقة» بالقطاع المصرفي، الذي لم يتصور أحد أن هذا القطاع سينتهي إلى ما انتهى إليه، ومن هنا السؤال: هل تستطيع الحكومة بثقة النواب «الهزيلة» استعادة ثقة الشعب وثقة المجتمعين العربي والدولي؟...
الرئيس دياب اعترف أمام مجلس النواب بصعوبة مهمته، مشيراً إلى أن «خطر السقوط ليس وهماً، ونحن نريد انتشال البلد، ولا نستطيع القيام بذلك إذا كان الواقفون خلفنا يتهيبون الفرصة لدفعنا إلى الهاوية»، ووفق المطلعين، فإن الحكومة حظيت بتشجيع القوى العربية والدولية، التي أكدت على التعاطي معها على أساس التزامها الوعود والبرامج التي أطلقتها، ولن تبدي أي ليونة إزاء المسار الذي تسلكه، وهي ستترقب الأفعال لا الأقوال، لذلك سيكون الحكم عليها أكثر حزماً، مع العلم أن المشكلة تكمن في أن المنظومة السياسية التي أمسكت بالسلطة لعدة سنوات، لا تريد من الإصلاح إلا العنوان، ولو رغبت فعلاً في تنفيذ الإصلاحات لما وصلت البلد إلى حالة التدهور المالي والنقدي والاقتصادي، وأصبحت الحكومة أمام تحد خطر، فإما أن تماطل فتصطدم بالمجتمع الدولي وبتشديد الحصار على لبنان، بما يقود إلى الانهيار، وإما أن تستعجل إجراءات الإصلاح، فتصطدم بقوى السلطة، وفي الحالين اصطدام موجع.
ولعل أول اختبار ستواجهه الحكومة، سيحل في التاسع من مارس المقبل، عند اضطرارها لتسديد استحقاق لسندات اليوروبوند بقيمة 1.2 مليار دولار، وقد درس مجلس الوزراء في أول جلسة عقدتها الحكومة الخميس الماضي كل الاحتمالات الممكنة، مؤكداً الحرص على سمعة لبنان الدولية لجهة الوفاء بالتزاماته المالية، ودفع الاستحقاقات في مواعيدها، مع الاتجاه نحو إعادة هيكلة أقساط، بقيمة 30 مليار دولار بمساعدة صندوق النقد الدولي.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية