عبارة لمحتها في لوحة إعلانية ضخمة، فشدتني إلى خارج مرمى الإعلان ذاته وبالأخص إلى دنيا الإنسان بلا قيد من المكان أو الزمان.
أي إنسان هو أسير للأماني والآمال والأحلام في أضعف الإيمان، وله طموحات بسقف عال جدا، وهذا بشكل عام حق مطلق لا يعترض عليه أحد.
أعلى منصب قد يطمح ويطمع إليه الفرد في هذا الكون الفسيح أن يكون رئيساً أو مسؤولاً كبيراً. فماذا بعد أن يصل المرء إلى أعلى المناصب، هذا أقصى أماني الإنسان.
فلنأخذ الحكمة والعِبرة من سيرة البعض ممن تبوؤا منصب الخلافة العربية والإسلامية، وهو منصب يتحكم فيه الشخص في معظم مساحة الكرة الأرضية، وأقرب مثال لنا هو لدى الخليفة الراشد الخامس في الأمة والذي لم يحكم سوى سنة واحدة فقط لا غير. نحسن الظن بذاكرة التاريخ العربي والإسلامي الذي يراد مسحه ومسخه. ونحسب أنها لا زالت تتذكر عمر بن عبد العزيز حفيد الفاروق عمر بن الخطاب، الذي تولى الخلافة الأموية لسنة قصيرة جداً وبإنجازات جمة، فعندما جاءته ساعة الاحتضار، سئل عما يشتهي بعد أن ارتقى في الدنيا وتقلد أعلى المناصب، أجاب بأن نفسي تاقت اليوم إلى الجنة، فقد عافت الدنيا وما فيها وجاء يوم اللامنصب للارتقاء الأكبر، وهذا ليس كلام زاهد في مناصب الدنيا بل من عانا من عظم مسؤولياتها بعد أن ترك خاتمه في الدنيا، وقد طبع عليه «رحم الله إمرأ عرف قدر نفسه».
ننتقل من القرن الأول للهجرة إلى القرن الحادي والعشرين للميلاد، وبسؤال وجه لمحمد علي كلاي، الذي لم يصبح يوما مسؤولاً، بل رئيساً لكل الملاكمين في العالم عندما فاز بالمركز الأول في هذه الرياضة التي كنا تلامذة صغارا نحرص على متابعتها بعد صلاة الفجر وقبل أن نشرع في الذهاب إلى المدارس.
فعندما حاز «كلاي» المركز الأول لمرات عديدة وأصبح مفخرة للولايات المتحدة والعالم أجمع، سئل عن ما يريد الوصول إليه في السنوات المقبلة من حياته الزاخرة بالانتصارات، فكان جوابه القطعي «الاستعداد للقاء الله بعمل الخير، وهو ما أصبوا إليه في مستقبلي». فهذا لم يكتف بدنياه، حتى استكملها بالاستعداد لمستقبله الحقيقي في الآخرة التي فيها حياة الخلود. وأما «بيل جيتس» رجل الإنترنت الأول في العالم وصاحب المال الأول، والذي يعمل الآن جاهداً لعالم ما بعد الإنترنت، لم يكتف بذلك، حتى وضع نصف ثروته البالغة قرابة مائة مليار دولار لخدمة الإنسانية، وهو عين الترقي في عالم يُرضي الاكتفاء المادي الصرف، فهو فضّل الاتجاه إلى ما يشبع جوع الروح ومتطلباتها، عند هذه النقطة ليس الفرد بل البشرية في ثوبها الإنساني في ارتقاء مستدام.
وفي السودان الذي يبحث اليوم عن الاستقرار المستدام، أنجب لشعبه «سواراً» من ذهب ترك الحكم بعد أقل من عام أثناء انتفاضة أبريل 1985، ليصبح خامس رئيس لجمهورية السودان، وقد قدم استقالته في 1986، ليشغل بعد ذلك منصب رئيس مجلس أمناء «منظمة الدعوة الإسلامية» حتى ساعة مفارقته الدنيا في 18/10/2018، بعيداً عن سفك الدماء، بل رضي بنشر ماء الحياة بدل إزهاقها.