مطالعتنا للشمس كل يوم وتواجدها الدائم في السماء يوهمنا بأنها صديقتنا المقربة. لكن ضوءها المبهر يربك أجهزة التليسكوب التقليدية، ويحرق معظم مركبات الفضاء ليبقيها لغزاً بالنسبة لنا. وهذا قد يتغير قريباً مع احتمال أن تحدث ثلاثة مراصد شمسية جديدة ثورة في رؤيتنا لصديقتنا الشمس وعلاقاتها بعالمنا، وربما بالأنظمة النجمية الأخرى. ففي الأيام القليلة الماضية، انطلق أحدث مرصد شمسي إلى الفضاء. ويراد بمسبار «سولار أوربيتر»، الذي يمثل تعاوناً بين «وكالة الفضاء الأوروبية» و«وكالة الطيران والفضاء الأميركية» (ناسا) فحص الشمس من زوايا جديدة تتضمن إلقاء أول نظرة على الإطلاق على قطبيها.
وينضم «سولار أوربيتر» إلى مسبار «باركر سولار» التابع لـ«ناسا» الذي أُطلق عام 2018 وبلغ أعمق نقطة له في الغلاف الجوي للشمس في الآونة الأخيرة لجمع عينات من الرياح الشمسية مباشرة. وفي وقت لاحق من هذا العام، سيجري تدشين تليسكوب «دانيال كيه. انوي» الشمسي في جزر هاواي. وفي وقت متأخر من الشهر الماضي، نشر تليسكوب دانيال أول صور مبدئية لسطح الشمس أبهرت الجمهور. ويرى العالِم «نور رؤوفي» المسؤول عن مشروع مهمة مسبار «باركر سولار» التابع لناسا أن الثلاثي سيحدد بشكل أساسي مستقبل المجال، وأن العقد التالي سيكون عصراً ذهبياً للأبحاث عن الشمس.
وتُنتج الشمس باستمرار «مناخ الفضاء» المتمثل في انبعاثات العواصف الجيومغناطيسية والتوهج الشمسي، مما قد يعطل الأقمار الاصطناعية وشبكة الطاقة على الأرض. وراقب الباحثون هذه العواصف الشمسية ووجدوا أنها تقوى وتضعف بانتظام، في ظاهرة يعتقد أنها ترتبط بتبدل الأقطاب المغناطيسية للشمس كل 11 عاماً. لكن العلماء لم يستطيعوا إلقاء نظرة جيدة على الأقطاب. وكل الصور للشمس التقطت من الزاوية نفسها تقريباً، باتساق مع خط الاستواء الشمسي. ويعتقد العالِم «هولي جيلبرت»، نائب المسؤول عن مشروع «سولار أوربيتر» ومدير قسم علوم فيزياء الشمس في مركز «جودارد سبيس فلايت» التابع لناسا، أن تغيير زاوية الرؤية «يسمح لنا بالنظر إلى الشمس كلها» وليس من جانب واحد فقط.
ومراقبتنا للنجوم الأخرى علمتنا أن الشمس وديعة إلى حد كبير، على الأقل حتى الآن. فقد رصد علماء الفضاء نجوماً تنفجر بعنف، لدرجة قد تغرق بها كواكب في مدارها بالإشعاع. وعبر جيمس دافنبورت، عالم النجوم في جامعة واشنطن، عن تلهف العلماء لمعرفة «إذا ما كان هناك نجوم أخرى مثل شمسنا، وإذا ما كانت شمسنا طبيعية أو ما يحتمل ما كانت تبدو عليه شمسنا في الماضي وفي مستقبلها». وإذا استطاع الباحثون حساب الآليات التي تحرك نشاط الشمس، فهذا يساعد في وضعها في سياق كوني وسط النجوم الأخرى. وهذه المعرفة قد تساعد العلماء في المقابل في تكوين صورة أكثر دقة عن كيفية تشكل الأنظمة الشمسية، وأيضاً ما يجعل كوكباً ما قابلاً للسكنى. ويرى جيف كوهن، عالم الفضاء في جامعة هاواي، والمشارك في مجموعة العمل العلمية لتليسكوب دانيال، أن «كل الحياة على الأرض نابعة من الطاقة التي تنتجها الشمس. ودون فهم كامل لتقلبات هذه الطاقة لن نفهم حقاً مستقبلنا».
وغلاف الأرض الجوي يسمح بمرور ما يكفي ضوء الشمس، بينما يحجب معظم الأشعة الضارة. ويعتقد علماء أن الرياح الشمسية- وهي عبارة عن تيار من البلازما ينطلق من الشمس- يمكنها تمزيق الغلاف الجوي للكواكب. والمجال المغناطيسي للأرض يتفادى الكثير من الرياح الشمسية مما يحمي غلافنا الجوي، لكن الشيء نفسه قد لا ينطبق على كواكب مشابهة تدور في فلك نجوم أخرى. والمراصد الجديدة بنيت لجمع المزيد من المعلومات عن الرياح الشمسية والآليات التي تحركها. وهناك صعوبة في دراسة هذه الرياح مباشرة حول النجوم الأخرى. ويأمل العلماء أن تكشف هذه البعثات عن وسائل غير مباشرة لتفسير تدفق الرياح الشمسية في الأنظمة النجمية الأخرى. وتستطيع هذه المعرفة في المقابل، أن تساعد في تحسين نماذج التعرف على العوالم البعيدة التي يحتمل أن تكون مأهولة.
ولم يكن مخططاً أن يشكل مسبارا «باركر» و«أوربيتر» وتليسكوب «دانيال» فريقاً. فكل مرصد منها أريد به أن يكون منفصلاً، لكن المصادفة هي التي جعلتها تعمل جميعاً في الوقت نفسه تقريباً. لكنها فرصة يحرص العلماء على الاستفادة منها. فستعمل المراصد الثلاثة بوسائل متعددة على استخدام مجموعاتها الفريدة من الوسائل لدراسة مناطق الشمس من زوايا مختلفة حرفياً وتصورياً. ويؤكد الدكتور جيلبرت، مدير قسم علوم فيزياء الشمس في مركز «جودارد سبيس فلايت» التابع لناسا، أن التضافر بين هذه المراصد المختلفة جيد حقاً؛ لأن «فيزياء الشمس صعبة إلى حد كبير، ويتعين على العلم وعلينا أن نفهم هذه الأجزاء المختلفة من النظام»، من الغلاف الجوي المجال المغناطيسي للشمس وكيفية تفاعلهما مع الغلاف الجوي والمغناطيسي للأرض.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»