في ظل حكم نيكولاس مادورو، أنشأت فنزويلا عملة هي «البترو»، وضوابط أسعار خيالية. وبات الخطر الآن كامناً في وجود رأسمالية مزيفة.
ومع انهيار الاقتصاد وهروب الملايين من البلاد، سمح السماح بإغراق السوق بالدولارات التي كانت يوماً محرّمة بإغراق السوق. وأصبحت الشركات الخاصة التي كانت أعداء الثورة بالأمس، تتاجر في الكماليات من المشروبات إلى السيارات المستوردة. ويشير مادورو إلى خصخصة شركة النفط الحكومية «بيتروليوس دي فنزويلا»(PDVSA)، التي تعد جوهرة التاج البوليفارية.
فهل هذا تحول من الاحتضار إلى السوق الحرة أم تحول حذر إلى الرأسمالية لإنقاذ الاشتراكية؟ لا هذا ولا ذاك. والدافع الأكثر ترجيحاً لميل فنزويلا تجاه ممارسات السوق الحرة هو أن الحكومة لا تملك سوى أدوات قليلة للسيطرة على توجيه الاقتصاد بفرض ضوابط على الأسعار وتحصيل الضرائب.
لقد كان الحال أفضل بكثير عندما كانت فنزويلا ثرية. لكن جعلت الفوضى بعض الشركات، لا سيما شركات التجزئة، تتعثر مالياً. وأصبحت الدولارات، التي يتم تحويلها بوساطة المغتربين في الخارج، أو القادمة جواً من روسيا، يتم تداولها.
يعتقد الخبير الاقتصادي البارز في جامعة أكسفورد «كارلوس دي سوزا» أن نصف معاملات البلاد تتم الآن نقداً، من اليورو والدولار إلى الريال البرازيلي والبيزو الكولومبي. وتتقاضى البنوك رسوما مالية مرتفعة تتراوح بين 1-2% شهرياً لتخزين العملات الصعبة في خزائنها. وعادت الطبقة المتوسطة العليا، التي لم تعد رهينة للغضب بسبب العوز، إلى العيش في مستواها المرتفع مرة أخرى.
وعلى الرغم من أن الأقل حظاً في فنزويلا ليس لديهم الكثير للاحتفال به، إلا أن التراجع الأخير عن تطبيق الرقابة على الأسعار قد خفف من النقص المزمن في السلع الذي أفرغ أرفف المتاجر. وتباطأ معدل التضخم السنوي إلى حد كبير، من2,688,844% في العام حتى يناير 2019 إلى 7,374% بحلول شهر ديسمبر، وفقا لتقرير «أوكسفورد ايكونوميكس». ولا يزال الناتج المحلي الإجمالي يتناقص، ولكن بوتيرة أبطأ بكثير. ولا يتوقع أحد عودة ما يقدر بـ 4.6 مليون فنزويلي هربوا من البلاد، على الرغم من عودة القليلين مع موجة الدولار. ومع ذلك، فإن ما يقدر بـ 4 مليارات دولار سنوياً التي يرسلها المغتربون إلى أصدقائهم وأسرهم في الوطن تساعد على تخفيف الحرمان. والأهم من ذلك بالنسبة لمادورو، أن هذا يساعد نظامه على الإنفاق على الرفاهية الفنزويلية، ناهيك عن أن هذه الأموال هي مصدر نقدي مرحب به من خلال ضرائب التحويلات المالية والرسوم التي يدفعها النظام بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه.
وفي الجمهورية البوليفارية، مع ذلك، لا يكون كل السخط على قدم المساواة. فالحفاظ على الأثرياء في قوارب الرفاهية يعد بمثابة تحوط ضد التمرد في الطبقة الأعلى. يقول «دي سوزا»: «معظم الفنزويليين الأثرياء مقربون من النظام. لقد كانت لديهم استثمارات في الخارج قبل فرض العقوبات الأميركية والآن لم يعد بإمكانهم نقل أموالهم. لذا فإنهم مجبورون على إيداع أموالهم في فنزويلا. وللحصول على الربح، فهم بحاجة إلى التخلص من قيود الأسعار».
ومن ناحية أخرى، يحاول مادورو جاهدا تدليل مجموعة أخرى قوية: البيروقراطيون المفضلون والفاعلون السياسيون والمسؤولون العسكريون ومجموعة متنوعة من المجرمين الذين أبهجهم بوظائف المحسوبية، وجزء من الامتيازات العامة وحتى منحهم السلطة على الوظائف البيروقراطية الأساسية.
وتتمثل الخدعة في هذا الترتيب في تخفيف القواعد وغض الطرف عن المخالفين لتشجيع الشركات في الظل، مع عدم تحويل هذه الممارسات إلى سياسة أو قانون. تقول «مونيكا دي بول»، زميلة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي «نعلم أن الكثير من الفنزويليين عانوا ويتضورون جوعاً. ولكن هناك أيضاً الكثير من الناس الذين استفادوا من مناورات مادورو». وللحفاظ على مكانته، يسعى «مادورو» للحفاظ على وجهات نظر الاشتراكية الثورية حتى عندما تخرج عن نطاق سيطرته.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»