الأنباء عن وباء كورونا القادم من الصين تُثير الذعر على المستوى الفردي، وهذا طبيعي، فلا أحد يود أن يرقد ويبقى محتجزاً في سريره أو يحدث له سوء بسبب هذا الوباء. خاصة أن الأوبئة عامةً، من سارس إلى كورونا، تتطور بسرعة لتقاوم العقارات المختلفة.
ومقارنةً بالنظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الأولى وأسس عصبة الأمم لتنظيم العالم، كان النظام الدولي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية أكثر ذكاءً، حيث استفاد من مثالب التجربة الأولى، فأسست منظمة الأمم المتحدة مشتملةً على منظمات متخصصة مثل منظمة الصحة العالمية (مقرها جنيف)، والتي تعمل الآن على محاولة منع انتشار فيروس كورونا، عبر التنسيق مع عدد متزايد من الدول (أكثر من 72 دولة).
ورغم أهمية النظر إلى التداعيات على المستوى الفردي، فإنه يتعين إيجاد حلول على مستوى المجتمع العالمي ككل، فالتداعيات الاجتماعية هي الأكثر خطورة، وينبغي الاستعداد لمواجهتها. فإذا وضعنا جانباً بعض الشائعات غير الموثقة حول فيروس كورونا فإن الآثار الاقتصادية، صينياً وعالمياً، تبدو غير يسيرة. ولتقدير هذه الآثار الاقتصادية، نتذكّر وباء سارس في عام 2003، والذي كلّف الاقتصاد العالمي حوالي 40 مليار دولار. ومن المؤكد أن تداعيات كورونا ستكون أكثر خطورة، لأن مكانة الصين في الاقتصاد العالمي ارتفعت تقريباً حوالي 8 أضعاف منذ زمن سارس، وهي تشكل الآن حوالي 17% من هذا الاقتصاد، ونسبة أكبر بكثير في التجارة والتصنيع العالميين، لذا عندما تقول التقديرات المؤقتة إن معدل نمو اقتصاد الصين سينخفض من 6.1% إلى 5.6%، فإن الاقتصاد العالمي سيتأثر بالتأكيد، أولاً على المستوى الاستهلاكي بسبب انخفاض القوة الشرائية لهذا العدد الضخم من المستهلكين الصينيين (أكثر من مليار شخص). فمثلاً أغلقت «ماكدونالدز» مئات من مطاعمها البالغ عددها 3300 مطعم في مختلف المدن الصينية، كما أغلقت «ستار بوكس» أكثر من نصف محلالها البالغ عددها 4300 محل في الصين، وكذلك فعلت «ديزني» مع حدائقها للتسلية في شنغاي وهونج كونج، مع انخفاض متوقع لدخولها بحوالي 175 مليون دولار للربع الثاني فقط من هذا العام. وسينعكس هذا بالطبع على مستوى التشغيل وفقدان الدخول جراء البطالة.
وتعاني شركات الطيران أيضاً من وقف رحلاتها إلى الصين، حيث تقول التقديرات إن الخسائر هي 2% لشركة «أميركان»، و3% لشركة «يونايتد»، و4% لشركة «دلتا»، وأكبر من ذلك بكثير لشركة «الصين للطيران» التي خفّضت رحلاتها للولايات المتحدة من 128 أسبوعياً إلى 7 فقط.
إن من نتائج العولمة زيادة الوتيرة المتسارعة لإندماج الاقتصاد العالمي عن طريق تصنيع قطع مختلفة من السلعة الواحدة في عدة دول، ثم تجميعها في دولة أخرى، كما تفعل شركات السيارات والملابس والاتصالات. لكن شركة «نيكي» قامت بإغلاق نصف محلالها، وخفضت ساعات العمل في النصف الآخر، مثلها مثل «إنتل» التي تأتي 28% من عائداتها من الصين، و«كوالكم» التي تأتي 47% من عائداتها من الصين أيضاً.. وقس على ذلك كثير من الشركات العالمية لصناعة السيارات.
وعلاوة على شبح البطالة الذي أصبح يهدد الجميع، بسبب الآثار المترتبة على بوادر كساد اقتصادي عالمي، فإنه هذه الآثار ستكون قاسية في دول صغيرة في أفريقيا تعتمد على عائدات تصدير المواد الخام، واستخدام عائداتها لصالح السكان اقتصادياً وسياسياً، كما ستفتقر أسواقها إلى مئات السلع الصينية التي اعتادت عليها بأسعار رخيصة.


*أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية -القاهرة