برّأ مجلس الشيوخ الأميركي، بتصويت شبه حزبي تقريباً، الرئيس دونالد ترامب من التهم الواردة في مواد المساءلة التي رفعها مجلس النواب. وأصرّ الرئيس على أن تعاملاته مع أوكرانيا بشأن المساعدات العسكرية وإجراء تحقيق محتمل مع «هانتر بايدن»، ابن نائب الرئيس السابق جو بايدن، كانت «مثالية». ومع ذلك، حتى عندما برأه أعضاء مجلس الشيوخ «الجمهوريون»، عارض العديد منهم ذلك، قائلين إن أفعاله كانت خاطئة لكنه لم يخرق أي قانون.
ورداً على ذلك، جادل مديرو التحقيق بشأن العزل بأن الأسس الدستورية «الجرائم الكبرى والجنح» للعزل لا تتطلب انتهاكاً لقانون جنائي فيدرالي محدد.
وسواء نظر المرء إلى تصرفات الرئيس على أنها تبرر الإقالة من منصبه أم لا، فإننا نعتقد أن احتمال التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية أصبح اليوم خطيراً للغاية، سواء أكانت قوة أجنبية هي التي بدأته أو دعا إليه مرشح، لدرجة أنه يتعين على الكونجرس اعتبار مثل هذا النشاط غير قانوني.
وسيكون القيام بذلك متسقاً مع التاريخ، فعلى سبيل المثال، وبعد حرب فيتنام واستقالة الرئيس ريتشارد نيكسون على خلفية فضيحة ووترجيت، قام الكونجرس بسن سلسلة من القوانين لكبح جماح السلطة التنفيذية. وتضمنت هذه القوانين إنشاء لجان مراقبة الاستخبارات في الكونجرس، وقانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية، وقرار سلطات الحرب، وقانون الميزانية والتحكم في حجز الكونجرس (الذي خلص مكتب محاسبة الحكومة إلى أن ترامب قد انتهكه).
ونظر المستشار الخاص السابق روبرت مولر بشكل شامل فيما إذا كانت حملة ترامب قد تواطأت مع الحكومة الروسية للفوز في انتخابات 2016 الرئاسية. ووجد مولر أن الروس تدخلوا في الانتخابات «بطريقة شاملة ومنظمة»، وأدان 26 مواطناً روسياً، بمن فيهم 12 ضابط مخابرات، بتهمة التآمر واختراق أجهزة الكمبيوتر الأميركية. ورغم أنه وجد أن حملة ترامب رحّبت بالتدخل الروسي، لم يتمكن مولر من إثبات أن الحملة تآمرت أو نسّقت مع الحكومة الروسية بطريقة تنتهك القانون. وجدير بالذكر أن القانون الحالي يحظر على المرشحين قبول أموال من مصادر أجنبية، لكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا يتعلق بالمساعدة غير المالية.
وأظهر تحقيق مولر أن الوقت قد حان لسد هذه الفجوة. ويتعين على الكونجرس أن يعتمد على الفور قانوناً جنائياً يحظر على أي مرشح لمنصب فيدرالي، بما في ذلك الرئيس، التماس أو قبول مساعدة مادية من قوة أجنبية، بغرض التأثير على الانتخابات.
ولن تكون صياغة مثل هذا القانون أمراً سهلا. فهناك العديد من المصالح الدستورية والسياسية التي يجب أن تكون متوازنة. وعلى سبيل المثال، غالباً ما تكون السياسة الخارجية قضية رئيسية في الحملات الرئاسية، ويمكن إغراء المرشحين للتأثير على الانتخابات من خلال الاستعانة بنفوذ خارجي. وتضييق حظر التماس المساعدة أو قبولها عن قصد سيساعد، حيث إن المحاكم لديها خبرة في تفسير القوانين التي تحظر المساعدة المادية للجماعات الإرهابية. ومع ذلك، أين هو الخط الفاصل بين المناسب وغير القانوني؟
لسنوات، انتشرت إشاعات عن نشاط مظلم في الحملات الرئاسية. وعلى سبيل المثال، في عام 1968، أخبرت حملة نيكسون سراً «نجوين فان ثيو»، رئيس فيتنام الجنوبية، أنه إذا انسحب من محادثات السلام التي كانت جارية آنذاك مع «فيت كونج» (الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام)، فسيحصل على دعم أقوى في الحرب إذا فاز نيكسون بالرئاسة. وقد جادل المؤرخون بشأن عواقب هذا الجهد، وما إذا كان نيكسون كان على علم به. لكن ثيو انسحب بالفعل من المفاوضات وانتُخِب نيكسون.
ومن ناحية أخرى، في أكتوبر 1992، رفض جيمس بيكر، الذي استقال من منصبه كوزير للخارجية ليشغل منصب رئيس موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس جورج بوش الأب، طلباً قدمه عدد من أعضاء الكونجرس للرئيس للحصول على مساعدة من روسيا وبريطانيا في البحث عن معلومات تسيء للمرشح الديمقراطي بيل كلينتون. وقال بيكر لأعضاء الكونجرس: «لا يمكننا مطلقاً القيام بذلك»، وكتب مذكرة بهذا المعنى. لم يكن بيكر بحاجة إلى تشريع لمعرفة ما هو صحيح وما هو خطأ.
لا يمكن للبلاد الاعتماد على أن جميع المسؤولين الحكوميين يتمتعون بهذا النوع من النزاهة، لذلك يتعين على الكونجرس التحرك الآن. لقد كان الجمهوريون في الكونجرس على استعداد لفرض عقوبات على روسيا للتدخل في انتخابات 2016. وفي الآونة الأخيرة، صوّت البعض للحد من سلطة الرئيس لبدء صراع مع إيران. نأمل أن يتفهم الجمهوريون مدى أهمية صياغة قانون يحظر التماس أو قبول التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية، وأن يوقعه الرئيس ليصبح قانوناً ساري المفعول.
جيفري إتش سميث*
*مستشار عام لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بين عامي 1995-1996
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»