يعد النمو المطرد للاقتصاد الأميركي –وهو الأطول امتداداً منذ الحرب العالمية الثانية –لغزاً كبيراً. في الصيف الماضي، كان منحنى العائد مقلوباً، وهذا عادة أكثر الدلائل الموثوقة على حدوث تراجع وشيك. وكانت هناك كل أنواع الأسباب المعقولة التي تجعل الاقتصاد يتحول إلى الأسوأ –كم هائل من ديون الشركات المتزايدة، وتباطؤ في الصين، والحرب التجارية للرئيس دونالد ترامب، وضعف التصنيع، وزيادة عدم اليقين بشأن السياسة الحكومية، وما إلى ذلك.
ومع ذلك، لم يظهر الركود. كان نمو الناتج المحلي الإجمالي ثابتاً بشكل ملحوظ عند أكثر قليلاً من 2% -وربما كان أفضل، في المتوسط، ما يمكن توقعه نظراً لشيخوخة السكان وتباطؤ الإنتاجية العالمية.
وكان سوق العمل أقوى من أي وقت مضى باستثناء أواخر تسعينات القرن الماضي، حيث يحصل العمال ذوي الدخل الأدنى على زيادات حقيقية في الأجور.
فلماذا نجد الاقتصاد في حالة جيدة على الرغم من كل الرياح المعاكسة؟ سيميل مؤيدو الرئيس إلى منح الفضل للإصلاح الضريبي الذي أجراه الرئيس في أواخر عام 2017. بيد أن هذا غير محتمل. إذا كان قانون التخفيضات الضريبية والوظائف قد جعل الاقتصاد أكثر كفاءة، لكان قد أدى إلى زيادة الاستثمارات التجارية. لكن الأبحاث الاقتصادية لا تجد سوى تأثير ضئيل، حيث تراجع الاستثمار الخاص الحقيقي في الربع الثاني إلى الرابع من عام 2019.
ومن الممكن أيضاً، بالطبع، أن يكون خفض الضرائب قد أدى إلى زيادة الاستهلاك من خلال زيادة الطلب الكلي. وقد طرح بول كروجمان هذا الأمر كتفسير. وصحيح أيضاً أنه في ظل ترامب، ارتفع العجز إلى مستويات لم تحدث منذ عام 2012.
ولكن من غير المرجح أن يكون هذا قد أعطى الاقتصاد دفعة. أولاً، تدفقت فوائد الإصلاح الضريبي في الغالب على الأغنياء. ويميل الأشخاص الأكثر ثراءً إلى تغيير نمط استهلاكهم كثيراً وفقاً للتغييرات في الدخل، لأنهم على العكس من الفقراء ومتوسطي الدخل ليس لديهم حاجة ملحة لسداد ديونهم أو شراء الضروريات. ويميل التحفيز المالي لأن يكون له تأثير أقل عندما يكون الاقتصاد بصحة جيدة مقارنة بما يكون عليه أثناء فترات الركود. وبالتالي، قدمت التخفيضات الضريبية تحفيزاً قليلاً مع رفع العجز.
فإذا لم يكن الإصلاح الضريبي، فما الذي يجعل الانتعاش مستمراً؟
لم تؤدِ أسعار الفائدة المنخفضة بعد إلى حدوث طفرة في اقتراض المستهلكين، ولا تزال نسبة ديون الأسر مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي عند مستويات منخفضة ولا تظهر أي علامات على الارتفاع.
وربما يؤكد ترامب أن حربه التجارية ساعدت على ذلك. لكن الصادرات لم ترتفع خلال العام الماضي. وإذا كان المستهلكون الأميركيون يتحولون من السلع المستوردة إلى السلع المنتجة محلياً، فإن التحول بسيط جداً.
والحقيقة هي أنه لا يوجد دافع واضح للنمو الذي تشهده الولايات المتحدة. والتفسير الأكثر ترجيحاً هو أن الاقتصاد يمر ببساطة بمرحلة من الوضع الطبيعي الممل. ويميل معظم الناس إلى التفكير في دورة العمل كسلسلة من فترات الازدهار والانهيار المتناوبة. ويبدو أن السجل الاقتصادي الأميركي يؤكد هذا، مع حدوث فترات ركود على الأقل مرة واحدة كل عشر سنوات. ولكن في حين أن هذا ممكن بالتأكيد، فإن معظم نماذج الاقتصاد الكلي تتصور الاقتصاد كآلة إنتاج تتقدم ببطء حتى يفقده نوع من الصدمة توازنه.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت هناك ثلاثة أنواع رئيسة من الصدمات التي ألقت الاقتصاد الأميركي بعيداً عن الركب: الفقاعات والانهيارات المالية، أو قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة أو الزيادات الكبيرة في أسعار النفط. لا شيء من هذه الأنواع يهدد الآن. ولا يبدو أن ارتفاع الإقراض المحفوف بالمخاطر كبير بما يكفي لإحداث أزمة مالية أخرى. وربما تمنع الذكريات الحية لأزمة 2008 المضاربة المفرطة في الأسهم والإسكان، في حين أن الإصلاحات المالية وفقاً لقانون «دود-فرانك» والندوب التي خلفتها هذه الكارثة ربما تمنع المؤسسات المالية من تكثيف المخاطر المفرطة. وفي الوقت نفسه، فإن أسعار النفط والبنزين عند مستويات معتدلة، بينما قام الاحتياطي الفيدرالي بعَكس بعض الزيادات التي طرأت على أسعار الفائدة في السنوات السابقة. لقد قيل الكثير عن الحرب التجارية لترامب، لكن حتى الآن كان التأثير الحقيقي بسيطاً حتى في قطاعات مثل الزراعة.
*أستاذ المالية المساعد بجامعة ستوني بروك الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»