يمثل التقدم الانتخابي لحزب «شين فين» في أيرلندا لحظةً تاريخية للحزب الذي لطالما وجد صعوبة في التخلص من روابطه القديمة بالعنف الطائفي الأيرلندي. ومن الواضح أن الزعيم الجديد للحزب وبرنامجه السياسي القائم على إصلاح أزمة الإسكان وتحسين الخدمات العامة، وجدا صدى عند الجمهور. وربما ينطبق هذا بشكل خاص على الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً ممن يمثل لهم السلام في أيرلندا أمراً طبيعياً وليس استثناءً.
لكننا لا نعرف تحديداً ما يعنيه فوز «شين فين» بالتصويت الشعبي في بلد ما زال يسيطر فيه الحزبان الكبيران، «فاين جايل» و«فيانا فايل»، على جانب كبير من الأصوات، ولديهما أفكار سياسية متقاربة. وإذا كانت هذه هي اللحظة التي تفك فيها الشعبوية قبضة سيطرة الحزبين على الحكومة الأيرلندية، فإنها ستكون مختلفة للغاية عن القوى التي هزت بريطانيا المجاورة، سواء أكانت الشك في الاتحاد الأوروبي والتصويت على الخروج من التكتل أم التعديلات الاقتصادية شديدة اليسارية التي يؤيدها جيرمي كوربن قبل أن تلحق به الهزيمة في ديسمبر. لكن يتعين علينا القول بأن فوز «شين فين» لم يخرج من العدم. فعملية «تطبيع» الحزب استمرت لسنوات في الوقت الذي حشد فيه تدريجياً الدعم في انتخابات متوالية في سير متعثر، كما حدث هذا في مناطق أخرى حين تتحول جماعات تمرد مسلحة إلى أحزاب سياسية غير مسلحة. وذكر ماتيو ويتنيج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برمنجهام، أنه بين عامي 1997 و2005، ارتفع نصيب «شين فين» من الأصوات من 16.9% إلى 23.3%، وكان استحواذه على ربع الأصوات في تصويت الترتيب التفضيلي في الآونة الأخيرة، يمثل تحسناً كبيراً عن حصته التي بلغت 14% عام 2016.
وأحدث القفزات في الشعبية تعكس برنامجاً في السياسة وزعيماً جديداً قادراً على التواصل مع الناخبين فيما يتعلق بعدم المساواة، لكنها أيضاً تعكس إحباط الجمهور من الحال الراهن. وحزب «فاين جايل» الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء ليو فارادكار ومنافسه حزب «فيانا فايل»، يوصفان عادة بأنهما توأمان متطابقان بسبب تشابههما الشديد في الموقف من القضايا الكبيرة، مثل النموذج الاقتصادي منخفض الضرائب في أيرلندا وبريكسيت والمعاشات. وشعبية «شين فين» دفعت المستثمرين بشكل مفهوم إلى فحص تعهدات الحزب حول فرض ضرائب على الأثرياء وتشديد الرقابة على القطاع المصرفي وبيع الأسهم الأيرلندية كتحوط. لكن واقع بناء ائتلاف يعني أن الحزب لا يمكن تجاهله، وأنه لا يمكن تفادي التوصل لتسويات بشأن تعهداته. ونظام أيرلندا الانتخابي الذي يرتب تفضيلات الناخبين وانقسام الأصوات على نطاق واسع بين «شين فين» و«فين جايل» و«فيانا فايل»، يجعل الشراكة ضرورية لتشكيل حكومة.
وهذا هو السبب الذي يجعل التركيز الآن على «فيانا فيل» الذي يسير نحو الفوز بمعظم المقاعد في البرلمان ومعضلته بشأن ما إذا كان سيتمكن من تدشين محادثات مع «شين فين». وقد يفقد «شين فين» بعض الزخم حين يكون في السلطة، ويضع أحد التوأمين في مقعد القيادة ويكبح بعض الأجزاء الأكثر تطرفاً في البرنامج الشعبوي، جاعلاً إياها عرضة لمحاسبة دافعي الضرائب والناخبين. فلن تكون مهمة بلا مسؤولية. وأوروبا لديها القليل من الأسباب التي تجعلها تقلق من سقوط أيرلندا في أزمة سياسية مزعزعة للاستقرار. فقد صرح وزير الدولة البريطاني السابق لشؤون أوروبا، دينيس ماكشين، بأن الأحزاب الأيرلندية الثلاثة الكبيرة مؤيدة لأوروبا، وإنْ يكن بأشكال مختلفة. فبينما يطالب «شين فين» بأخذ قضية الاستفتاء على الحدود لإعادة الوحدة الأيرلندية مأخذ الجد، فلا يرجح إجراء استفتاء قبل سنوات عدة، ولا يوجد ما يضمن أن تقبله المملكة المتحدة.
ورغم دأب «شين فين» على انتقاد التكامل الأوروبي، لكنه تبنى نبرة مختلفة في الآونة الأخيرة. والواقع أنه أيد قرار بروكسل بتغريم شركة «آبل» أكثر من 14 مليار يورور (15.3 مليار دولار) في صورة ضرائب تهربت منها بشكل غير قانوني ولم تدفعها في أيرلندا. ورغم كل التشابهات مع قائمة الأولويات شديدة اليسارية لكوربن، والتي رفضها البريطانيون في الانتخابات البريطانية الأخيرة، لم يدع برنامج «شين فين» إلى تغيير في نسبة الضرائب البالغة 12.5% على الشركات في أيرلندا التي تمثل أساس نموذج البلاد من الضرائب المنخفضة. وصرح فارادكار أثناء الحملة الانتخابية قائلاً إن «شين فين» ليس «حزباً سياسياً عادياً». إنه اقتراح يستحق الاختبار. وأيرلندا عازمة فيما يبدو على اتباع نهج شعوبي مختلف عن بريكسيت وكوربن.

*صحفي يغطي شؤون الاتحاد الأوروبي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»