في خطوة مهمة وتطور إيجابي كبير وبقرارٍ صادر عن مجلس الوزراء، اختارت حكومة الإمارات مؤخراً 33 شاباً وشابة ليكونوا أعضاء في مجالس إدارات الجهات الاتحادية، في إطار سعيها الجاد لتأهيل الشباب من الجنسين، وإشراكهم في صنع القرار، ودفعهم نحو تحمّل مسؤولياتهم والقيام بالواجبات المطلوبة منهم. ولا شك أن ما قامت به الحكومة يعزز من الحضور الشبابي في مختلف قطاعات الحكومة بما يسهم في استثمار معارفهم وتوظيفها، وبالتالي تطوير الحلول لمختلف الملفات والقضايا الوطنية، خاصةً أن مهمة مجالس إدارات الجهات الاتحادية تتركز في أداء دور محوري لتطوير عمل تلك الجهات، وتحسين مستوى الأداء فيها وتقديم الخدمات عبرها.
إن قرار مجلس الوزراء بإلزام الجهات الحكومية بإشراك الشباب الإماراتي ممن لا تتجاوز أعمارهم 30 عاماً في مجالس إداراتها، يعني بالضرورة إفساح الطريق أمام جيل الشباب، وتمكينه من عملية بناء خبراته، ومنحه الفرصة لاكتساب مهارات العمل ومتابعة تنفيذ العمليات الحكومية على اختلافها، ورفد القطاعات الحكومية بعقول شابة وأفكار جديدة تسهم في تطوير الخدمات باستمرار.
والمتتبع لمسيرة الحكومة الاتحادية وللقرارات والتشريعات التي أصدرتها وتصدرها، يدرك أن مساعيها لم تتوقف بشأن تمكين الشباب وتعزيز قدراتهم، بدءاً من منحهم التعليم الجيد داخل وخارج الإمارات، وانتهاءً بتوظيفهم في مؤسساتها لاستثمار طاقاتهم وإبداعاتهم، وهي بذلك - أي الحكومة - تكرس ثقافة الاستدامة كفكرٍ وقاعدة ومنهج وأداء لضمان استمرارية عملية التنمية في الدولة وفق متطلبات العصر. وبين عمليتي التعليم والتوظيف لم تتوانَ الوزارات والجهات الحكومية - على اختلاف تخصصاتها - عن توفير فرص فضلى لتدريب الشباب في أهم المراكز المتخصصة العلمية والتقنية والمهنية، متطلعة إلى تحقيق الخطط الإستراتيجية التي تبنتها وتتبناها لمتابعة عملية بناء الدولة والمجتمع والفرد، وكلٌّ حسب متطلباته.
إن التفكير في المستقبل لبنائه بما يتسم مع الدولة العصرية، يتطلّب من قيادة أي بلدٍ إصدار القوانين والتشريعات التي تمكّنها من ذلك، مع توفير كامل الضمانات التي تساعدها في تكريس وجودها كدولة حديثة. تلك القاعدة وغيرها من قواعد بناء الدول اعتمدتها الإمارات، وجعلتها منهجاً لها منذ إعلان الاتحاد في سبعينيات القرن الماضي، وهي لا تزال مستمرة فيه، لأنها مؤمنة بأن التغيير والانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى وأنضج هو أنفع للفرد وللمجتمع، ولها أيضاً كمؤسسة متكاملة، وبالتالي حريّ بأي دولة تسعى لأن تتفوق على نفسها وتبني مجتمعها وتعمل على النهوض به، أن تستفيد من كل الإمكانات المتاحة، ولكن الأهم من هذا أن تستفيد من الإنسان باعتباره طاقة متجددة قادرة على الابتكار والإبداع في حال الاهتمام به وتمكينه وتكريس نزوعه إلى تحضّر ذهنيته، وهو أمر مهم للغاية يتحقق بإدراك أهمية العلم والمعرفة كأساس للنهضة.
ما تمتلكه الإمارات من ثروات طبيعية عماد ما وصلت إليه، لكنها كانت تدرك أن الاعتماد على تلك الثروات لا بد أن يكون له أجل، ولهذا بدأت بالتركيز على الطاقة البشرية باعتبارها الكنز الأهم والأثمن والأعلى قيمة من كل شيء، ووجهت خطابها وخططها نحو ذلك، وهي الملتزمة ببناء الإنسان باعتباره الصانع لكل شيء في حياته، ولهذا تخطو خطوات جادة في تلك الطريق الطويلة والممتدة التي لا نهاية لها، خاصة أن بناء الدولة بشكل عام إنما هي عملية مستمرة ومستدامة تعتمد على التراكم.
ما بدأته الإمارات من عمل وسياسات قبل عقود مرتبطة بفئة الشباب أوصلها اليوم إلى بعض غاياتها، والأرقام لا تكذب أبداً. فحسب إحصائية البنك الدولي لعام 2018 والتي صدرت بداية هذا العام، فقد صُنفَت الإمارات في المركز الثاني عالمياً في نسبة الشباب مقارنة بإجمالي عدد السكان. وفي التفاصيل أفادت الإحصائية أن نسبة الشريحة العمرية التي تتراوح بين 15 و64 عاماً في الإمارات، تشكّل 84% بالنسبة إلى إجمالي عدد السكان، وتلك النسبة بحد ذاتها تصنع فارقاً مهماً في التعليم وتقديم الخدمات وتسيير الأعمال وصناعة الاقتصاد، خصوصاً إذا علمنا أن جلّ تلك الفئة ما تزال تتلقى التعليم، والنسبة التي تليها على رأس عملها، أما النسبة الأقل فقد وصلت إلى سن التقاعد. ومع هذا فإن الحكومة تطرح باستمرار الخطط التي من شأنها استيعاب الخريجين وتوفير فرص لهم في مختلف القطاعات الحكومية، مع فتح المجال أمامهم للعمل في القطاع الخاص، وإقامة مشاريع خاصة تسهم في دفع عجلة الاقتصاد قدماً.
اليوم وفي أكثر البلدان الغربية تطوراً، نجد الحكومات تعمل على فسح المجال أمام الخبرات الشابة للالتحاق بها، كونها هي القادرة على قيادة المجتمع ورفع شأنه في مجمل النواحي. وفي المقابل فإن الإمارات لم تعانِ من تلك الظاهرة، بفضل وجود طاقات شابة من أبنائها بالدرجة الأولى وهم الذين يشغلون - حسب تقرير وزارة الاقتصاد لعام 2017 - نسبة 78.3% من إجمالي السكان الذين بلغت أعمارهم 15 سنة فما فوق، وإلى جانب الشباب الإماراتي تستقطب الخبرات التي تضيف إليها، وتكسبها تنوعاً وغنى إنسانياً وحضارياً، ويؤكد على سياستي الانفتاح والتسامح اللذين انتهجتهما.
كما تواصل حكومة الإمارات تركيزها على عدد من القطاعات ذات الأولوية، وتضع من خلالها ركائز لاقتصاد المستقبل القائم على الشباب، ما يتطلب الاستمرار في تنمية بيئة الابتكار والتكنولوجيا والبحث العلمي والملكية الفكرية وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة والاقتصاد الرقمي، وهذا يتطلب منها بالتأكيد زيادة تمكين الشباب، وتطوير الأطر والتشريعات التنظيمية الصديقة للأعمال والجاذبة للاستثمارات التي تسهم في تعزيز دور القطاع الخاص وتمكين العمالة الوطنية، بما في ذلك دعم الشركات الناشئة وخصوصاً تلك التي تقوم على الابتكار، وعلى المعرفة التكنولوجية التي يمتلكها جيل الشباب. هذا هو ديدن حكومة الإمارات في التفكير بالمستقبل، الذي سيقود الدولة إلى موقع المنافس لدول كبرى ذات اقتصاد قوي، لكنها كانت قد بدأت رحلة تنميتها وتطويرها منذ سنين طويلة.