رغم أن مشروع تجديد الدين الذي كتب عنه رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخُشت كتاباً أسماه «نحو تأسيس عصر ديني جديد» (2017)، لا يختلف عما يطرحه شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في خطوطه العريضة. فالدكتور محمد عثمان يطالب بالعودة إلى المنابع الصافية للدين (القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة) كنص إلهي مقدس لا يجوز التفريط فيه، لكنه يطالب بالتفريق بين الثابت والمتحوّل في الدين، والتفريق بينهما أمر اجتهادي ولا يجوز هنا توبيخ المجتهد المخطئ، فلا أحد يملك الحقيقة المطلقة إلا الله. وهذه وغيرها قضايا يوافق عليها شيخ الأزهر، إلا أن الدكتور محمد عثمان كان صريحاً في رفضه للمذهبية بناءً على نظرية «الصواب المتعدد» المأخوذة من الحديث النبوي في قصة بني قريظة، كما كان صريحاً في دعوته لتطوير أصول الدين وتغيير أطر التفكير وتغيير رؤية العالم كله عما كان ولا يزال سائداً. وقد دعا الدكتور الخشت إلى «تطوير علوم الدين» في إعراض عن مشروع «إحياء علوم الدين»، فجماعة «داعش» وغيرها من الجماعات الإرهابية الأخرى هي جماعات إحيائية ولم تنبت في الهواء.
وقد كُتبت مجموعة من المقالات تدل على أهمية الحدث الذي لاقى أصداء واسعة خارج الدائرة المصرية. وكتب الدكتور رضوان السيد في جريدة «الشرق الأوسط»، بتاريخ 7 فبراير 2020، مقالة بعنوان «التراث والموروث والإصلاح الديني»، تنطوي على تحليل رصين للواقعة الدينية والتاريخ الذي تمتد منه وملابساتها، منطلقاً من زاوية الخوف على الأشعرية وما إذا كان مشروع الدكتور محمد عثمان يمثل خطراً عليها كما كان الرشديون الجدد من المثقفين العرب أم لا؟
وكتب الدكتور جابر عصفور في جريدة «الأهرام»، في السابع من فبراير الجاري، مقالةً بعنوان «من عقلية الاتباع إلى عقلية الابتداع.. معركة التجديد بين شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة»، رأى فيها أن الخلاف هو ذاته الخلاف القديم بين الأزهر وداعية الدولة المدنية! ولا أدري إن كان الدكتور عصفور قد اطلع على الوثيقة التي أصدرها شيخ الأزهر أحمد الطيب حول الدولة المدنية الدستورية، تلك الوثيقة التي أثارت جدلاً واسعاً في الساحة المصرية ولقيت قبولاً واسعاً كذلك في الوسط الليبرالي، والتي مثّلت «ثورة» داخل المؤسسة الدينية الكبرى في العالم السُنِّي.
وفي تصوّري، أننا في العالم العربي قد شرعنا في تجاوز الصراع العلماني الإسلامي حول الدولة، إلى مركب أعلى، فأغلبية الناس، بمن فيهم المتدينون، تريد دولة مدنية حديثة غنية قوية متصلة بالعالم ولا تعيش في جزيرة مهجورة. ولا يستثنى من ذلك إلا قلة يتقلصون ممن يرغبون في دولة كدولة «طالبان». وبطبيعة الحال، سيبقى الخلاف التشريعي في التفاصيل مثلما هو موجود في كل دولة من دول العالم اليوم، وهذه من القضايا المتحولة التي تتغير بتغير الوعي الجمعي.
وتبقى قضية أخيرة، ألا وهي أننا نحتفي بتجديد الدين كبادرة ظهرت في كتابات كثير من المستنيرين الإسلاميين، لكن المسؤول الأول عنها هو «فيلسوف الدين»، هو مَن درس الدين من الخارج بكل تحرر، ولولاه لما رأينا مستنيرين متدينين يناقشون مثل هذه القضايا من الأساس. لذلك ينبغي أن يحفظ له حقه الذي يصب في مصلحة الدين والدولة معاً.